إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

فهرسة رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا

تقليص
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فهرسة رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا

    الجزء الأول الجزء الثاني الجزء الثالث الجزء الرابع
    الرياضية التعليمية الجسمانيات الطبيعيَّات النفسانيات العقليات العلوم الناموسية الإلهية والشرعية
    الرسالة الأولى
    الرسالة الثانية
    الرسالة الثالثة
    الرسالة الرابعة
    الرسالة الخامسة
    الرسالة السادسة
    الرسالة السابعة
    الرسالة الثامنة
    الرسالة التاسعة
    الرسالة العاشرة
    الرسالة الحادية عشرة
    الرسالة الثانية عشرة
    الرسالة الثالثة عشرة
    الرسالة الرابعة عشرة
    الرسالة الأولى
    الرسالة الثانية
    الرسالة الثالثة
    الرسالة الرابعة
    الرسالة الخامسة
    الرسالة السادسة
    الرسالة السابعة
    الرسالة الثامنة
    الرسالة التاسعة
    الرسالة العاشرة
    الرسالة الحادية عشرة
    الرسالة الثانية عشرة
    الرسالة الثالثة عشرة
    الرسالة الرابعة عشرة
    الرسالة الخامسة عشرة
    الرسالة السادسة عشرة
    الرسالة السابعة عشرة
    الرسالة الأولى
    الرسالة الثانية
    الرسالة الثالثة
    الرسالة الرابعة
    الرسالة الخامسة
    الرسالة السادسة
    الرسالة السابعة
    الرسالة الثامنة
    الرسالة التاسعة
    الرسالة العاشرة
    الرسالة الأولى
    الرسالة الثانية
    الرسالة الثالثة
    الرسالة الرابعة
    الرسالة الخامسة
    الرسالة السادسة
    الرسالة السابعة
    الرسالة الثامنة
    الرسالة التاسعة
    الرسالة العاشرة
    الرسالة الحادية عشرة
    كلمة الختام




    من هم إخوان الصفا؟

    إخوان الصفا: مجموعةٌ من الفلاسفة العرب المسلمين، عاشوا في القرن العاشر الميلادي في مدينة البصرة بالعراق، واتفقوا على توحيد المذاهب الإسلامية، والنظريات الفلسفية، ويُنسَب إليهم كتابُ «رسائل إخوان الصفا».

    ويُرجِّح المؤرخون أن «إخوان الصفا وخلَّان الوفا» ينحدرون من الفكر الإسماعيلي. تختلف طبقات «إخوان الصفا» الاجتماعية؛ فمنهم أبناءُ الطبقة الغنية كالملوك والأمراء والوزراء، ومنهم أبناءُ عامَّةِ الشعب كالعُمال والكُتاب والتُّجار، وأبناء الأدباء والعلماء والفقهاء، وفئاتهم، لم يتم تحديد أسمائهم، ولا سَكَنهم، ولا عددهم. وقد اختلف المؤرخون في ماهيتهم ومذهبهم وهُويَّتهم، ولكنهم قد تركوا رسائلَهم التي تُعَدُّ موسوعةً هائلة تضمَّنتْ أهمَّ فنونِ الثقافة التي وُجِدت في عصرهم، ويبلغ عددُها اثنتين وخمسين رسالة، هدفُها المُعلَن «التظافُر للسعي إلى سعادة النفس عن طريق العلوم التي تُطهِّر النفس.» وقد اهتمَّ «إخوان الصفا» بالفلسفات اليونانية وفلسفة فارس والهند القديمة، وكانوا يدمجونها مع الفلسفة الإسلامية في شرْحِهم لنظرية الخَلْق. وكانوا يهدفون إلى التقريبِ بين الأديان والفلسفة، ومحْوِ فكرةِ ازدراءِ الفلسفة لدى المُتديِّنين، وبيانِ أنَّ الإسلام والفلسفة لا يتعارضان؛ ولهذا السبب كانوا يكتبون في الخفاء، ويتجمَّعون بشكلٍ أَشْبه بالخلايا السياسية السِّرية في العصر الحديث. كما اهتمَّ «إخوان الصفا» بجميع الأديان السماوية، وعلوم الفلك، والرياضيات والموسيقى والمعادن والنبات والحيوان.

    في خلافِهم حول تصنيف «إخوان الصفا»، ذهَبَ بعضُ علماء المسلمين إلى اتهامهم بالهرطقة والإلحاد، ووصفوا فكرهم بالزندقة والفساد، بينما ذهَبَ آخَرون إلى اعتبارهم من أتباع المعتزلة، وقال آخَرون إنهم يتبعون المدرسةَ الباطنية. وقيل إنهم كانوا يتبعون أسلوبَ التَّقِيَّة في إخفاء هُويَّتهم، كما قيل إنَّ ابن المقفع كان واحدًا منهم.


    فهرست الرسائل وتقسيمها

    بسم الله الرحمن الرحيم

    وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم

    هذه فهرست رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا وأهل العدل وأبناء الحمد، بجمل معانيها وماهية أغراضهم فيها،
    وهي اثنتان وخمسون رسالة في فنون العلم وغرائب الحكم وطرائف الآداب وحقائق المعاني عن كلام الخلصاء الصوفية،
    صان الله قدرهم وحرسهم حيث كانوا في البلاد،
    وهي مقسومة على أربعة أقسام: فمنها رياضية تعليمية، ومنها جسمانية طبيعية، ومنها نفسانية عقلية، ومنها ناموسية إلهية.



    فالرسائل الرياضية التعليمية أربع عشرة رسالة:

    الرسالة الأولى منها في «العدد» وماهيته وكميته وكيفية خواصه، والغرض المراد من هذه الرسالة هو رياضة أنفس المتعلمين للفلسفة، المؤثرين للحكمة الناظرين في حقائق الأشياء، الباحثين عن علل الموجودات بأسرها، وفيها بيان أن صورة العدد في النفوس مطابق لصور الموجودات في الهيولى، وهي أنموذج من العالم الأعلى، وبمعرفته يتدرج المرتاض إلى سائر الرياضيات والطبيعيات، وأن علم العدد جذر العلوم وعنصر الحكمة ومبدأ المعارف وأسطقس المعاني.

    الرسالة الثانية في «الهندسة» وبيان ماهيتها وكمية أنواعها وكيفية موضوعاتها، والغرض المقصود منها هو التهدي للنفوس من المحسوسات إلى المعقولات، ومن الجسمانيات إلى الروحانيات ومن ذوات الهيولى إلى المجردات، وكيفية رؤية البسائط التي لا تتكثر ولا تزداد، ولا تنفرد بالاتحاد، ولا تتقدر بمقدار ولا انحصار في الإقصار، كالصورة المجردة المعراة من المواد المبرأة من الهيولى والجواهر المحضة الروحانية والذوات المفردة العلوية التي لا تُدرك بالعيان، وفوق الزمان والمكان، وكيفية الاتصال بها والاطلاع عليها والترقي بالنفس إليها.

    الثالثة رسالة في «النجوم» شبه المدخل في معرفة تركيب الأفلاك وصفة البروج وسير الكواكب ومعرفة تأثيراتها في هذا العالم، وكيفية انفعال الأمهات والمواليد منها بالنشوء والبلى والكون والفساد، والغرض منها هو تشويق النفوس الصافية للصعود إلى عالم الأفلاك وأطباق السماوات، منازل الروحانيين والملائكة المقربين والملأ الأعلى والجواهر العلى، والوصول إلى القدس والروح الأمين.

    الرابعة رسالة في «الموسيقى» وهو المدخل إلى علم صناعة التأليف والبيان بأن النغم والألحان الموزونة لها تأثيرات في نفوس المستمعين لها كتأثير الأدوية والأشربة والترياقات في الأجسام الحيوانية، وأن للأفلاك في حركتها ودورانها واحتكاك بعضها ببعض نغمات مطربة ملهية وألحانًا طيبة لذيذة معجبة منها كنغمات أوتار العيدان والطنابير وألحان المزامير، والغرض منها التشويق للنفوس الناطقة الإنسانية الملكية للصعود إلى هناك بعد مفارقتها الأجساد التي تُسمى الموت؛ لأنه إلى هناك يُعرج بأرواح النبيين والصديقين والشهداء والصالحين المحقين المستبصرين كما بين الله تعالى بقوله: إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ.

    الخامسة رسالة في «جغرافيا» يعني صورة الأرض والأقاليم والبيان بأن الأرض كرية الشكل بجميع ما عليها، من الجبال والبحار والبراري والأنهار والمدن والقرى، وأنها حية تشبه بجملتها صورة حيوان تام عابد لله تعالى بجميع أعضائها وأجزائها وظاهرها وباطنها، وكيفية تخطيطها وتقديرها ومسالكها وممالكها، والغرض منها هو التنبيه على علة ورود النفس إلى هذا العالم وكيفية اتحادها وعلة ارتباطها بغيرها واستعمالها الحواس واستنباطها للقياس، والتنبيه على خلاصها والحث على النظر والتفكر فيما نصب الله لنا من الدلالات وأرانا من الآيات التي في الآفاق والأنفس؛ حتى يتبين للناظر أنه الحق فيتمسك به ويزدلف إليه ويتوكل في أحواله عليه، فيستعد للرحلة والتزود إلى دار الآخرة قبل الممات وفناء العمر وتقارب الأجل وفوت الأمل ووجدان الحسرة والندامة.

    السادسة رسالة في «النِّسب العددية» والهندسية والتأليفية وكمية أنواعها وكيفية ترتيبها، والغرض منها التهدي لنفوس العقلاء إلى أسرار العلوم وخفياتها وحقائقها وبواطن الحكم ومعانيها، والوقوف على أن الموجودات المختلفة القوى، المتباينة الصور، المتنافرة الطباع، إذا جُمع بينها على النسبة المتعادلة ائتلفت وصحَّت وبقيت ودامت، وإذا كانت على غير النِّسبة المتعادلة اضطربت وتنافرت حتى اضمحلت وفنيت وما اعتدلت ولا استقام شيء إلا على قدر المناسبة وصحة الائتلاف، وبمعرفة كمية ذلك وكيفيته يكون الحذق والمهارة بالصنائع كلها والتبرز فيها.

    السابعة رسالة في «الصنائع العلمية النظرية» وكمية أقسامها وكيفية مراتبها وإيضاح طرائقها ومذاهبها، والغرض منها تعديد أجناس العلوم وأنواع الحكم وبيان أعراضها وحقائقها والتهدي لطلب العلوم والحكم والتوقيت عليها وكيفية الطريق إليها وبيان معرفتها.

    الثامنة رسالة في «الصنائع العملية والمهنية» وتعديد أجناس الصنائع العملية والحرف، والغرض منها هو تنبيه نفوس الغافلين على معرفة جواهرها التي هي الفاعلة على الحقيقة والمستنبِطة الصنائع كلها، المستعمِلة لأجسامهم المستخدِمة لأبدانهم؛ إذ هي للصنائع كالآلات للنفوس والأدوات لها تستعملها لتبلغ بها غرضها على اختلاف مقاصدها وفنون حاجاتها.

    التاسعة رسالة في «بيان اختلاف الأخلاق» وأسباب اختلافها وأنواع عللها، ونكت من آداب الأنبياء وسننهم وزبد من أخلاق الحكماء وسيرهم، والغرض في ذلك منها تهذيب النفوس وإصلاح الأخلاق اللذان بهما الوصول إلى البقاء الدائم والسرور المقيم وكمال السعادة الباقية في الدنيا والآخرة.

    العاشرة رسالة في «إيساغوجي»، وهي الألفاظ الستة التي تستعملها الفلاسفة في المنطق وفي أقاويلهم ومخاطباتهم في كتبهم وحججهم وبراهينهم، والغرض منها هو التنبيه على ما يقوِّم ذات الإنسان ويتممه ويعرِّفه البقاء الدائم ويعرِّفه الفرق بين الكلام المنطقي واللغوي والفلسفي، وما حقيقة كل واحد منها وبيان ما يحتاج من ذلك إليه لتسديد العقل وتثقيفه نحو الحقائق، ورده عن الزلل والغلط كما يحتاج إلى النحو لتسديد اللسان وتقويمه نحو الصواب ورده عن اللحن؛ لأن نسبة صناعة المنطق إلى العقل والمعقولات مثل نسبة صناعة النحو إلى اللسان والألفاظ.

    الحادية عشرة رسالة في «قاطيغورياس»، وهو البيان عن المعقولات الكليات وهي الألفاظ العشرة التي كل واحد منها اسم لجنس من الموجودات كلها، والغرض منها هو البيان بأن معاني الموجودات كلها قد اجتمعت في هذه المقولات العشرة التي يُسمى كل واحد منها جنسًا من الأجناس، والأجناس داخلة فيها وكيف تنقسم الأجناس إلى الأنواع والأنواع إلى الأشخاص، والأشخاص إلى الأمهات وأنها حدائق الآداب وبساتين العلوم وجنات الحكم وفواكه النفوس ونزه الأرواح.

    الثانية عشرة رسالة في «باريمانياس»، وهي الكلام في العبارات وأداء المعاني على حقها والإبانة عنها، والغرض منها تعريف الأقاويل الجازمة المفردة البسيطة الجميلة التي هي أقسام الصدق والكذب، وكيف تحصل المقدمات القياسية وتركيبها من الألفاظ البسيطة المفردة وتقابل الإيجاب والسلب، وتقسيم أصناف الأقاويل وأنها هي الجازم الذي منه تتركب المقدمات البرهانية، وما الاسم وما الكلمة وما القول المطلق وما القول الجازم وما الموجبة وما السالبة وما المحصل والمستقيم والعدول، وما القضايا الثنائية والثلاثية والرباعية وما العناصر الثلاثة من ضروري وممكن وممتنع، وما الضد والنقيض وغير ذلك مما يُحتاج إليه في مقدمات القياس.

    الثالثة عشرة رسالة في «أنولوطيقا الأولى»، وهي القياس، والغرض منها هو بيان كمية القياس الذي تستعمله الحكماء والمتكلمون في احتجاجاتهم والدعاوى والبينات والمناظرات في الآراء والمذاهب، وأنه الميزان بالقسط وضعته الفلاسفة ليُعرف به الصدق من الكذب في الأقاويل، والخطأ من الصواب في الآراء والحق من الباطل في الأفعال، وأي شيء يكون وكيف يكون ومتى يكون وأيها الصحيح وأيها الفاسد.

    الرابعة عشرة رسالة في «أنولوطيقا الثانية»، وهي البرهان، والغرض منها هو البيان والكشف عن كيفية القياس الصحيح الذي لا خطأ فيه ولا زلل وهو المسمَّى «البرهان»، وهو ميزان البصائر يقيم الوزن بالقسط ومثاقيلها بداية العقول والمعارف الأولى يستعملها الصيارفة الإلهيون من الحكماء الذين يعرفون به الصواب من الخطأ والحق من الباطل، ويوضح الحق المبين والعلم اليقين. تمت الرسائل الرياضية التعليمية والفلسفية.

    •••

    ومنها الرسائل الجسمانية الطبيعية وهي سبع عشرة رسالة:

    الأولى منها رسالة في «الهيولى والصورة» وماهيتهما، وما الزمان والمكان والحركة واختلاف أقاويل الحكماء في حقائقها وكيفياتها، والغرض منها هو تعريف ماهية الجسم وحقيقته وما يخصه من الأعراض اللازمة والزائلة والصور المقومة والمتممة، وتلقب هذه الرسالة بسمع الكيان.

    الثانية منها رسالة في «السماء والعالم» وبيان كيفية إطباق السموات وكيفية تركيب الأفلاك، وما هو العرش العظيم وما هو الكرسي الواسع، والغرض منها هو البيان عن كيفية تحريك الأفلاك وتسييرات الكواكب، وأن المحرك لها كلها هو الروح القدس والنفس الكلية الفلكية الموكلة بها بإذن باريها.

    الثالثة منها رسالة في «الكون والفساد»، والغرض منها هو البيان عن ماهية الصور المقوِّمة لكل واحد من الأركان الأربعة؛ أعني الأمهات التي هي النار والهواء والماء والأرض، وأنها هي الأمهات الكلية الكائن منها المعدن والنبات والحيوان وكيفية استحالة بعضها إلى بعض باختلاف كيفياتها عليها بدوران الأفلاك حولها ومطارح شعاعات الكواكب عليها، وأن الطبيعة الفاعلة لها المحركة لكل واحد منها إلى كمالها وغايتها هي قوة من قوى النفس الكلية الفلكية، وملك من جملة الملائكة الموكلة بها وسائقة لها إلى تمام ما أعدلها من غايتها.

    الرابعة منها رسالة في «الآثار العلوية»، والغرض منها هو البيان عن كيفية حوادث الجو وتغييرات الهواء من النور والظلمة والحر والبرد وتصاريف الرياح من البحار والأنهار، وما يكون منها من الغيوم والضباب والطل والندى والأمطار والرعود والبروق والثلوج والبرد، والهالات وقوس قزح والشهب وذوات الأذناب وما شاكل ذلك.

    الخامسة منها رسالة في «كيفية تكوين المعادن»، وكمية الجواهر المعدنية وعلة اختلاف جواهرها وكيفية تكوينها في باطن الأرض، والغرض منها هو البيان بأنها أول مفعولات الطبيعة التي هي دون فلك القمر التي هي قوة من قوى النفس الكلية الفلكية بإذن باريها المصور للجميع والموجد للكل لا من موجود إبداعًا واختراعًا وخلقًا وتكوينًا، ومنها تبتدئ الأنفس الجزئية بالتهدي الباعث بها إلى الترقي من أسفل سافلين من مركز الأرض إلى أعلى عليين، عالم الأفلاك وفوق السماوات، موقف الأبرار المتقين ومقر الأخيار المنتجبين ومحل الأنبياء والمرسلين، وهذا أول صراط تجوز عليه الأنفس الجزئية، ثم النبات بوساطة الكون والنمو، ثم الحيوان بوساطة الكون والنمو والحس، ثم الإنسان بوساطة الكون والنمو والحس والعقل، ثم التجرد والدخول في زمرة الملائكة الذين هم سكان الأفلاك والملأ الأعلى الذين هم أهل السماوات.

    السادسة رسالة في «ماهية الطبيعة» وكيفية أفعالها في الأركان الأربعة التي هي الأمهات ومواليدها التي هي: الحيوان والنبات والمعادن، والفرق بين الفعل الإرادي، من الفكري والشوقي، وبين الضروري من الطبيعي والقهري، والغرض منها تنبيه الغافلين على أفعال النفس وماهية جوهرها والبيان عن أجناس الملائكة وهي التي تسميها الفلاسفة روحانيات الكواكب الموكلة بإنشاء المواليد بتحريكها إلى استكمال صورها والتمام المعد لها.

    السابعة منها رسالة في «أجناس النبات» وأنواعها، وكيفية سريان قوى النفس النامية فيها، والغرض منها هو تعديد أجناس النبات، وبيان كيفية تكوينها ونشوئها واختلاف أنواعها من الأشكال والألوان والطعوم والروائح في أوراقها وأزهارها وثمارها وحبوبها وبذورها وصموغها ولحائها وعروقها وقضبانها وأُصُولها وغير ذلك من المنافع، وأن أول مرتبة النبات متصلة بآخر مرتبة المعادن، وآخر مرتبتها متصلة بأول مرتبة الحيوان.

    الثامنة منها رسالة في «أصناف الحيوان» وعجائب هياكلها وغرائب أحوالها، والغرض منها هو البيان عن أجناس الحيوانات وكمية أنواعها واختلاف صورها وطبائعها وأخلاقها، وكيفية تكوينها ونتاجها وتوالدها وتربيتها لأولادها، وأن أول مرتبة الحيوانية متصلة بآخر مرتبة النبات، وآخر مرتبة الحيوانية متصلة بأول مرتبة الإنسانية، وآخر مرتبة الإنسانية متصلة بأول مرتبة الملائكة الذين هم سكان الهواء والأفلاك وأطباق السماوات، وأن نفوس بعض الحيوانات ملائكة ساجدة لنفس الإنسان التي هي خليفة الله في أرضه، ونفوس بعضها راكعة له، ونفوس بعض الحيوان شياطين عصاة مغلغلة في جهنم عالم الكون والفساد، وأن الإنسان إذا كان خيرًا عاقلًا فهو ملك كريم خير البرية، وإذا كان شريرًا فهو شيطان رجيم شر البرية.

    التاسعة منها رسالة في «تركيب الجسد»، والبيان بأنه عالم صغير وأن بنية هيكله تشبه مدينة فاضلة، وأن نفسه تشبه ملكًا في تلك المدينة، والغرض منها هو معرفة الإنسان جسده وبنيته المهيأة له، وأن انتصاب القامة أجل أشكال الحيوانات، وأن بنية جسد الإنسان مختصرة من العالم الذي هو في اللوح المحفوظ، وأنه الصراط الممدود بين الجنة والنار، وأنه ميزان القسط الذي وضعه الله بين خلقه، وأنه الكتاب الذي كتبه الله بيده، وصنعته الذي صنع الله بنفسه وكلمته الذي أبدع الله بذاته، وأن نفس الإنسانية هي خليفة الله في أرضه حاكمًا بين خلقه سائسًا لبريته مستعملًا لعالمه السفلي مدة من الزمان، فإذا انتقل صار زينة لعالمه العلوي وحافظًا لذاته الوجودي على الأبد، وأن الإنسان إذا عرف نفسه المستخلف عرف ربه الذي استخلفه، وأمكنه الوصول إليه والزلفى لديه فائزًا بنعيم الأبد والدوام السرمد.

    العاشرة منها رسالة في «الحاس والمحسوس»، والغرض منها هو البيان عن كيفية إدراك الحواس محسوساتها واتصالها بواسطة القوة الحاسة، واتصالها إلى الحاسة المشتركة الروحانية الواصلة التي منها انبعثت قوى الحواس الظاهرة، وأنها ترد كالخطوط الخارجة من المركز إلى المحيط بنقط كثيرة، الراجعة إليه بنقطة واحدة، وهو أول منازل الروحانية؛ إذ القوة الحاسة المؤدية إليه جسماني بوجه وروحاني بوجه، والحاسة المشتركة — أعني الداخلة — روحانية محضة؛ لأن حكم الجزء منها حكم الكل وإن كانت التجزئة لا تقع عليه بالحقيقة؛ لأن تصورها الشيء بإدراكها واتصالها إلى القوة المتخيَّلة التي مجراها مقدم الدماغ لتوصلها إلى القوة المفكرة التي مجراها وسط الدماغ؛ لتميزها وتخلصها بجولانها فيها، وتعرف حقائقها ثم توصلها إلى القوة الحافظة الذاكرة التي مجراها مؤخر الدماغ؛ لتمسكها وتحفظها معتقدةً أو غير معتقدة إلى وقت التذكار، ثم تؤديها إلى القوة الناطقة العاقلة التي هي ذات الإنسان المدبرة للكل الباقية بالذات تنزع جميع المعاني والصور، ثم تصور تلك المعاني والصور المنتزعة من مصوراتها المرتسمة فيها، وهي القوة الناطقة أيضًا بوساطة الأولى، فتلك الصورة هي لها كالموضوع وكالهيولى، والقوة المعتبرة أيضًا للنطق الخارج هي القوة الناطقة أيضًا على وجه ثالث بواسطة الألسن، فإذا همَّت الأولى بإظهار شيء إلى خارج — وهو النطق الإلهي على الحقيقة من صورة النفس — تصورت النفس الثانية؛ إذ هما جوهر واحد لتجردهما عن المواد وتعريهما عن الهيولى؛ أعني الجسمانية فتأدت إلى القوة الناطقة التي مجراها على اللسان لتعبر عنها بالألفاظ الدالة للمخاطبين على المعاني التي تخرج من النفس إلى القوة الصانعة التي مجراها اليدان؛ لتخط بالأقلام على أوجه الألواح وصفحات الدفاتر وبطون الطوامير تلك الألفاظ، وهي النطق الخارج والكلام الظاهر لتبقى العلوم بصورها الذاتية؛ أعني معانيها محفوظة من الأولين إلى الآخرين، وخطابًا من الحاضرين للغائبين إلى يوم يبعثون.

    الحادية عشرة منها رسالة في «مسقط النطفة» وكيفية رباط النفس بها؛ أعني الهيولانية عند تقلب حالاتها شهرًا بعد شهر، وتأثيرات أفعال روحانيات الكواكب في أحكام بنية الجسد من المزاج والتركيب أربعة أشهر قدر مسير الشمس ثلث الفلك واستيفائها طبائع البروج من النارية والترابية والهوائية والمائية، ثم كيفية تأثيراتها وأفعالها في أحكام النفس أربعة أشهر أُخر، وما ينطبع فيها من التهيؤ والاستعداد التي هي صورة الأولى بالقوة لتصير صورة بالفعل عند التهيؤ لقبول الأخلاق والأعمال والعلوم والآداب والحِكم والآراء في مقبل الزمان، ومستقبل العمر بعد الولادة في الشهر التاسع عند دخول الشمس من بيت التاسع من موضعها يوم مسقط النطفة بيت الحركة والسفر والنقلة والتصور والعلم والفطنة، والغرض منها هو الإخبار عن حال الأنفس البسيطة قبل تشخصها واتصالها بالأجسام الجزئية المحصورة المحدودة المحسوسة بوساطة الألوان والأشكال والأعراض الأُخر، وأن المكث في الرحم هذه المدة لتتميم البنية وتكميل الصورة، وهو الكمال الأول لاستكمال الآلة وإعدادها الأدوات؛ ولاستتمام رباط النفس بالهيكل واتحادها بقواه وانبساطها في البنية وتمكنها من الجملة.

    الرسالة الثانية عشرة منها في معنى قول الحكماء: «إن الإنسان عالم صغير»، وهو معنى العالم الكبير المؤدي عن جملته والمخصوص بثمرته، وأن صورة هيكله مماثلة لصورة العالم الكبير الجسماني وأن أحوال نفسه وسريان قواها في بنية هيكله وحقيقة جوهره مماثلة لأحوال الخلائق الروحانيين من الملائكة والجن والشياطين وأرواح الحيوانات أجمعين، فإن الإنسان مختصر من العالمَين الروحاني والجسماني جميعًا، مهيأ مجبول من سوس هو في الحقيقة خلاصة هذا العالم وثمرته وزبدته وكدر هذا العالم وثفالته، وأن يكون جوهر آخر المعاني الجسمانية وأول المعاني الروحانية، فهو كالحد المتاخم لكل العالمين وكالأصل الصالح لمجموع الكمالين وكالجوهر الذي هو بائنته معقول وكيفيته محسوس، وكالشيء الذي بذاته حياة من وجه وذو حياة من وجه، وكالذات القائم بنفسه من جهة، والقائم بغيره من جهة، وكالمعنى المشير بمضمون فحواه ويُفطن بمفهومه، لما سواه، ومن وجه آخر كالفرخ المتفقئ عنه البيضة الذي هو له كمال من وجه ومنتهى للكمال من وجه آخر، فهو اللازم للوكر ما دام طائرًا بالقوة، فإذا استكمل طار فصار طائرًا بالفعل، وكالزاوية التي يوجد ذاتها متوسطة بين المتجزئ وغير المتجزئ، ثم النقطة جامعة لحاليهما؛ أعني البسيط والمركب، وكالنبوة التي هي ممتدة إلى الروحانيين بخط وإلى الجسمانيين بخط، ثم الوحي جامع بين طرفيهما والإلهام حاوٍ لحديهما، وكنهاية المحيط التي هي السطح لذي مكان وليس له مكان، والغرض من هذه الرسالة هو الإخبار عن حال الأنفس البسيطة قبل تشخيصها واتصالها بالأجسام الجزئية والأشخاص الحسية وعلة اتصالها مدة وحال مفارقتها عند بلوغ نهايتها، وكيف يعرف الإنسان هويته وآنيته وكيفية نفسه وحقيقة ذاته، وأنه مجموع فيه معاني الموجودات كلها، فهو كالكل ومحيط بالجميع فينتبه كذلك ويتأمل الصواب والفرصة مدة حياته فيقصده ويقتنيه ويحتويه؛ إذ لذلك أنشأه منشيه فيعيده ويبديه ويديمه ويبقيه، وهو يبليه ويشفيه ويهديه لينجيه فيفوز بالبقاء والنعيم، والله يهدي مَن يشاء إلى صراط مستقيم.

    الرسالة الثالثة عشرة منها في «كيفية نشر الأنفس الجزئية في الأجساد البشرية والأجسام الطبيعية»، والغرض منها البيان عن كيفية بلوغ الإنسان بدوام انتقاله وتغير أحواله وآخر معاده ومآله، وكيف يصير إلى رتبة الملائكة ومنازل الروحانيين دار القرار ومحل الأخيار عند خلع المادة وبلوغ الإرادة ونهاية السعادة إلى حلوله بعد الموت أو قبله بوجوده الصوري وجوهره النوري. الرسالة الرابعة عشرة منها في «بيان طاقة الإنسان في المعارف»، إلى أي حد هو ومبلغه في العلوم إلى أي غاية ينتهي وأي شرف منها يرتقي، والغرض منها هو التنبيه على معرفة الله — جَلَّ جلالُهُ — والقصد نحوه واستنجاز لقائه والوقوف بين يديه والرجوع بالكلية إليه، كما كان منه المبدأ وإليه المعاد والمنتهى. الرسالة الخامسة عشرة منها في «ماهية الموت والحياة»، وما الحكمة في وجودها في الدنيا عالم الكون والفساد وما حقيقة المعاد، والغرض منها هو البيان عن علة رباط الأنفس الناطقة بالأجساد البشرية واتصالها بالأشخاص الجزئية إلى وقت الموت، وكيفية التأهب والاستعداد قبل الفوت والاستعجال ما دام الخلاص ممكنًا والنجاة معرضة والأجسام موجودة والآلة متمكنة، والاستهانة بالموت والتجافي عنه وإزالة الخوف منه ببقاء النفس بعد الموت، الذي هو مفارقتها الجسد وترك استعمالها إياه واستراحتها من أذاه ووصولها إلى عالمها ووجودها مناها وبلوغها منتهاها، وأنه لا سبيل لها إلى البقاء السرمدي الذي لا يتغير ولا يزول إلا بمفارقة الجسد المستحيل الذي هو سبب الانتقال والزوال والتغير من حال إلى حال.

    الرسالة السادسة عشرة منها في «ماهية اللذات والآلام الجسمانية والروحانية»، وعلة كراهية الحيوانات الموتَ، وكيف أسباب الآلام واللذة التي تنال النفوس بسبب الأجسام، وكيف تنال بمجردها إذا فارقت الجسد، وكيف يكون انفرادها بذاتها وتجردها بنفسها خلوًا منها وانتهاؤها إلى الفردانية واتحادها بالجوهر الصورانية والذوات الروحانية، وكيف تكون لذات أهل الجنان وآلام أهل النيران، والغرض منها هو التصور أن عذاب أهل جهنم كيف يكون مع الجن والشياطين المغلَّلة المقيدة المنكوسة المعكوسة، وأن نعيم أهل الجنان كيف يكون مع الملائكة والروحانيين مسرورين فيها مخلدين لا يمسُّهم فيها نصب ولا عناء، يتبوءون من الجنة حيث يشاءون، وأن جهنم عالم الكون والفساد يصلاها مَن شقي بسوء المنقلب والمعاد، وأن الجنان في أعالي عالم الأفلاك وسعة السماوات سعد بها مَن فاز بعد الممات بذخائر الخيرات والباقيات الصالحات.

    الرسالة السابعة عشرة منها في «علل اختلاف اللغات»، ورسوم الخطوط والعبارات، وكيف مبادئ المذاهب والديانات والآراء والاعتقادات وأول نشوئها، وابتداؤها ونماؤها وتزايدها حالًا بعد حال وقرنًا بعد قرن، وكيفية انتقالها من قوم إلى قوم، وسبب تغييراتها والزيادة فيها والنقصان منها، والغرض منها هو التنبيه على أن أفعال النفس إنما تقع بحسب ما في طبعها وغريزتها، وأن قوة البحث عن الخفيات موجودة في جوهريته؛ أي بضمير التذكير اعتبارًا للإنسان أي في جوهرية النفس كالمادة والعلم صورة لتلك المادة، فهي علامة بالقوة والعلم صورة قائمة فيها، وأن في قوتها أن تعلم الأشياء المحسوسة والمعقولة من أصناف العلوم في الأعلى والأسفل والأدق والأجل منها بقوة النطق؛ ولذلك يسنح لذاته سوانح ويخطر بباله خواطر فيُعمِل فيها فكره فيستخرج بعلمه آراء ويستنبط بذهنه مذاهب، ثم يعبر عن تلك الصورة المتخيلة في ضميره بألفاظ مؤدية عنها، ثم يقيد تلك الألفاظ برسوم من الكتابة دالة على تلك الألفاظ دلالة الألفاظ على تلك الخواطر ودلالة الخواطر على أعيان الأشياء وحقائقها ومعانيها، وإنما يتعاطون ذلك على حسب مناسبات من الطباع واتفاقات تقع في الأوقات والبقاع، والمنشأ والمولد والمخالطات بأقوام أصدقاء وأقارب ومعارف والإصغاء إليهم والأخذ عنهم والتخلق بأخلاقهم، فبحسب هذه الاتفاقات إيثار الإنسان الشيء على غيره من الآراء والمذاهب والمطالب والاعتقادات والنحل والصناعات والمكاسب؛ لأن كل إنسان وإن كان في ظاهر أمره متمكنًا من اختيار ما يقتنيه من المذاهب والآراء، فبينه وبين كل واحد منها مناسبات جبلية باطنة وعادات ألفية ظاهرة تجذبها إليه وتحببها عنده وتحرضه عليها وتدعوه إليها، وبحسب انجذابه في طبعه وميله وألفه يكون تبرزه فيها ومهارته بها؛ ولذلك برز أحدهم في شيء وتخلف آخر واجتهادهما واحد وربما اتفق واحد منهم أن يسمع كلامًا أو يرى أمرًا فيرضاه لنفسه ويميل إليه بطبعه ويقتنيه ويدخل في جملة أهله فيتأكد أُلفته وأُنسه به على مرور الزمان، فإذا قوي الأُلف، واستمرت العادة، وسكنت نفسه إليه، وتمكَّن من قلبه لشدة صحبته له ومعرفته به وفرط ميله إليه آثره على غيره حتى يصير في آخر الأمر ألِفًا لما يختاره منه ومعاندًا لما سواه، ويرى له الفضل على غيره من المذاهب الحقيقية والآراء العقلية وإن كان مفضولًا، ويحكم له بالشرف والعلو وإن كان مشروفًا، فبحسب ذلك تكثر الاختلافات، وتتباين المذاهب والديانات والحق فيهم مع الأنزر الأقل والآخر لاحق بالأول.

    •••

    ومنها الرسائل النفسانية العقلية، تشتمل على عشر رسائل:

    الرسالة الأولى منها في «المبادئ العقلية» على رأي الفيثاغوريين، والغرض منها أن الباري — جَلَّ جلالُهُ — لما أبدع الموجودات في المبدع الأول وهو العقل، واخترع المخترعات بوساطته في النفس، وخلقها مقدرة في الطباع، وكوَّنها بحسب الأمهات والموالد، ورتَّبها ونظَّمها كمراتب الأعداد من الواحد الذي قبل الاثنين والاثنين قبل الثلاثة وكذلك ما بعده، وجعل لكل جنس منها حدًّا مخصوصًا ونهاية معلومة مطابقة بعضها لبعض فاعلة ومنفعلة هيولى وصورة، نوعًا وجنسًا، إذا رأى ذلك أحكمَ وأتقنَ وأكملَ وأهدى إليه وأبينَ. الرسالة الثانية منها في «المبادئ العقلية» على رأي إخوان الصفا وخلان الوفا، والغرض منها هو البحث عن علة الأشياء والأخبار وأسباب الكائنات الكليات والجزئيات عن الباري — جل وعز — كتركيب العدد الصحيح عن الواحد قبل الاثنين. الرسالة الثالثة منها في معنى قول الحكماء: «إن العالم إنسان كبير» ذو نفس وروح حي، عالم طائع لباريه، خلقه ربه — جَلَّ ثناؤُهُ — يوم خلقه تامًّا كاملًا، وأن كل الخلائق داخلون فيه وهو جملتهم، وليس خارج العالم شيء آخر لا خلاء ولا ملاء، وليس العالم في مكان وكل ما فيه في مكان موكل كل واحد من أهل العالم بما يتأتى منه، ويقدر عليه يفعلون ما يؤمرون وكل في فلك يسبحون، يسبحون الليل والنهار لا يفترون، كما قال تعالى وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ. الرسالة الرابعة منها في «العقل والمعقول»، وما العقل الهيولاني وما العقل بالقوة وما العقل بالفعل، وما العقل المستفاد وما العقل الفعال، والغرض منها هو تعريف ذات الإنسان وصورة الصور، وما جوهر النفس بحقيقتها والإشارة إلى الباقي فيها وكيف اجتماع صور المعلومات فيها على تباينها وتغايرها وكيف تصورها الموجودات المنتزعة من المواد، وكيف تصير أحد موجودات العالم بعد أن لم يكن شيء من الموجودات إلا بالقوة وكيف خروجه بالصورة من العدم إلى الوجود وكيف يحصل عقلًا بالفعل وعاقلًا بالفعل ومعقولًا بالفعل والوجود الصوري مجردًا من سائر المواد معراة من الهيولات فتبقى ببقاء العقل الفعال وجه الله ذي الجلال والإكرام، لا إله إلا هو، كل شيء هالك إلا وجهه، له الحكم وإليه ترجعون. الرسالة الخامسة منها في «الأكوار والأدوار واختلاف القرون والأعصار والزمان والدهور»، والغرض منها هو البيان عن كيفية إنشاء العالم ومبدأه وترتيبه وظهوره وغايته، وكيفية فنائه وخرابه لو انقطعت مواد بقائه عن مبقيه لينعدم في الحال ويضمحل بلا زمان، وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب.

    الرسالة السادسة منه في «ماهية العشق»، ومحبة النفوس ونزوعها وتشوقها إلى الاتحاد والمرض الإلهي وما حقيقته ومن أين مبدأه، والغرض منها هو البيان بأن السابق المشوق إليه، المعشوق المطاع المراد المطلوب، المحبوب على الحقيقة هو الباري — جَلَّ ثناؤُهُ — وأن الخلائق وجملة العالم مشتاقة إليه مريدة متحركة نحو الكمال باستتمام الصورية، وعاشقة إلى مصورها الذي هو فوق الصور والكمال التمام، وهو الباري المصور له الأسماء الحسنى والأمثال العلى.

    الرسالة السابعة منها في «ماهية البعث والصور والنشور والقيامة والحساب وكيفية المعراج»، وعلمها هو الغرض الأقصى من رسائلنا كلها، وإليه المنتهى وهو الغاية القصوى، وإليه أشار بقوله: تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ. الرسالة الثامنة منه في «كمية أجناس الحركات وكيفية اختلافها ومباديها وغايتها»، والغرض منها هو البيان عن كيفية وجود العالم عن الباري — جَلَّ جلالُهُ — وكيف حركة الطبائع إلى استكمالها وقبول صورها الخَاصِّيَّة في كل واحد منهما، وكيفية سكونها عند استكمال كل واحد منها لصورته الخاصية؛ إذ بالصورة يصير الشيء هو ما هو، وبه يحصل في الوجود ويتميز ويتحيز ويصير شيئًا معلومًا مشارًا إليه. الرسالة التاسعة منها في «العلل والمعلولات»، وكيف رجوع أواخرها على أوائلها وأوائلها على أواخرها، والغرض المقصود منها هو معرفة أُصُول العلوم ومباديها وأسبابها وقوانينها، ورسومها وكيفياتها على الحقيقة. الرسالة العاشرة منها في «الحدود والرسوم»، والغرض منها هو معرفة حقائق الأشياء وماهياتها وأجناسها وأنواعها المركبة والبسيطة بما هي كل واحد منها، وبمعرفتها الوقوف على ذوات الأشياء وكيفياتها وفصولها.

    •••

    ومنها «الرسائل الناموسية الإلهية والشرعية الدينية»، وهي تشتمل على إحدى عشرة رسالة:

    الرسالة الأول منها في «الآراء والمذاهب» في الديانات الشرعية الناموسية والفلسفية، وبيان اختلاف العلماء في أقاويلهم، وما أدى إليه اجتهادهم من البحث والنظر، والكشف عن الحقائق والأُصُول، وكمية تلك المقالات وما الأسباب والعلل التي من أجلها كان اختلافهم، ومَن المحق ومَن البطل، وما يصلح للجميع وما يصلح للخاص وما يصلح للعام، والغرض من هذه كلها هو البيان بأن المذاهب والديانات كلها وُضعت كالعقاقير والأدوية والأشربة لمرض النفوس وكسب الصحة ولطف الحيل؛ لخلاصها من بحر الهيولى وأسر الطبيعة، ووصف طريق الآخرة وكيفية النجاة في المعاد من جهنم عالم الكون والفساد، والوصول إلى الجنان والفردوس عالم الأفلاك والسبع السماوات، وأن أكثر هذه الديانات لأقوامٍ قد انحرفوا عن طريق النجاة وبعدوا عن انتهاج سبيل الرشاد، فاستولى عليهم الميل والعصبية والحمية الجاهلية نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة، فضلوا ضلالًا بعيدًا، وما الله بظلام للعبيد. الرسالة الثانية منها في «ماهية الطريق إلى الله عز وجل» وكيفية الوصول إليه، والغرض منها هو الحث على تهذيب النفس وإصلاح الأخلاق وتطهير السرائر وتنزيه الضمائر، وتنبيه النفوس الساهية عما بعد الموت في المعاد من أحوال القيامة والبعث والنشر والحساب والميزان، والصراط والجواز على جهنم والورود فيها وحقائق معانيها، وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا. الرسالة الثالثة منها في «بيان اعتقاد إخوان الصفا وخلان الوفا» ومذاهب الربانيين الإلهيين، والغرض منها هو وضوح الحجة على بقاء النفوس بعد مفارقتها الجسد الذي يُسمى الموت، وحل الشكوك فيها وكشف الشبه بطريق إقناعي لا برهاني؛ إذ الرسالة الجامعة مقصورة على البراهين على ما أشرنا إليه في رسائلنا التي هي كالمدخل إليه والعنوان له. الرسالة الرابعة منها في «كيفية عشرة إخوان الصفا وخلان الوفا» وتعاون بعضهم لبعص بصدق المودة وصحة المحبة ومحض الرأفة والشفقة والتحنن والرحمة، وسيرهم في صلواتهم ومذاكرتهم ومجالستهم واجتماعاتهم، والغرض منها تأليف القلوب والتعاضد في الدين والدنيا جميعًا؛ إذ هي سبب نجاتهم والمؤدية إلى خلاصهم.

    الرسالة الخامسة منها في «ماهية الإيمان وخصال المؤمنين المحقين»، والغرض منها هو معرفة الجلالة الروحانية، وما الإلهام وما الوسوسة وما التوفيق وما الخذلان وما الهداية وما الضلالة؛ إذ كان هذا الباب علمًا غامضًا وسرًّا خفيًّا من العلوم الروحانية والأسرار النفسانية. الرسالة السادسة منها في «ماهية الناموس الإلهي والوضع الشرعي» وشرائط النبوة وكمية خصالهم ومذاهب الربانيين والإلهيين، والغرض منها هو التنبيه على أسرار الكتب النبوية ومرامي مرموزاتهم المقصودة وأوضاعهم الناموسية الإلهية والتهدي إليها، وكيفية الكشف لها من المهدي المنتظر والبرقليط الأكبر. الرسالة السابعة منها في «كيفية الدعوة إلى الله عز وجل» بصفوة الأخوة وصدق الوفاء ومحض المودة وخطاب طبقات المدعوين ومنازل المستجيبين إلى ذلك، والغرض منها هو البيان بأن دولة أهل الخير تبتدي أولها من قوم أخيار فضلاء أبرار، يجتمعون ويتفقون على رأي واحد ومذهب واحد وسنة رضية وسيرة عادلة من غير تخاذل ولا تقاعد. الرسالة الثامنة منها في «كيفية أفعال الروحانيين والجن والملائكة المقربين والمردة والشياطين»، والغرض منها هو البيان أن في العالم فاعلين نفسانيين روحانيين غير جسمانيين، لا يتمانعون ولا يتزاحمون ولا يتضايق بهم المكان ولا يحويهم الزمان، ولا يتحصلون بمشاعر الحواس ومدارك العيان، ذواتهم حيث أفعالهم وصورهم معروفة بآثارهم. الرسالة التاسعة منها في «كمية أنواع السياسات» وكيفيتها ومراتب المسوسين وصفات المدبرين لها في العالم، والغرض منها هو البيان بأن مدبِّر الجميع وسائس الكل الحكيم الأول الباري المصور — جَلَّ جلالُهُ — وأن مَن كان أحسن سياسة وأحسن تدبيرًا كان عند الله أعظم منزلة ولديه أقرب زلفة، ومَن كان بقدرة الله أبصر وبحكمته أعرف كان بسياسة خلقه أعلم، ومَن كان بها أعلم فسياسته أحسن وأعدل، ومَن كان كذلك فإليه أقرب ولديه أوجه. الرسالة العاشرة منها في «كيفية نضد العالم بأسره» وفي مراتب الموجودات ونظام الكائنات، وأن آخرها منعطف على أولها من أعلى الفلك المحيط إلى منتهى مركز الأرض، وأنها كلها عالم واحد كمدينة واحدة وكحيوان واحد وكإنسان واحد، والغرض منها هو الوقوف على معرفة الحقائق ومباديها وتواليها وسوابقها ولواحقها، علمًا يقينًا وبيانًا شافيًا مقنعًا كافيًّا بلا شك ولا شبهة ولا ريب ولا مرية، وأن مبدأها كلها صادرة عن فعل الله — عز وجل — وحده الذي هو الإبداع المحض لا من موجود هو أولها بالوجود والوحدة وأقدمها فيه، وهو المبدئ الذي أبرز الله فيه سائر الموجودات تنبعث منه القوى متكثرة نحو غايتها المختلفة، وإليها تتصاعد متحدة، وأن إلى ربك المنتهى وإلى الله ترجع الأمور، وجعله السبب الأول الذي به يتعلق ما سواه من سائر الموجودات تعلُّقَ المعلول بالعلة، مرتبطًا بعضها ببعض فاعلة ومنفعلة، منتقلًا من رتبة الدنيا إلى رتبة القصوى ارتباط معلول بعلة على حسب بواديها وتواليها إلى أن تتلاحق بأجمعها، وتتوارد بأسرها إليه، فيكون هو علة العلل ومبدأ المبادئ الفائضة بما أفاض إليه الباري — جَلَّ جلالُهُ — على ما دونها بخيرها، ووجودها يقبل كل ذات من الذوات بقدر ما يحتمله منها من الوجود اللائق به في الدوام والبقاء نور الله وعنايته ورحمته وكلمته به، الله يهدي مَن يشاء ويثيب وإليه يرجع مَن ينيب.

    الرسالة الحادية عشرة منها في «ماهية السحر والعزائم»، وماهية العين والزجر والفأل والوهم والرقى، وكيفية أعمال الطلسمات الباقية، وما عمارة الأرض وما الجن وما الشياطين وما الملائكة المقربون والروحانيون، وكيف تأثيرات بعضهم في بعض، والغرض منها هو البيان بأن في العالم فاعلين غير مرئيين ولا محسوسين يُسمَّون روحانيين، أفعالهم ظاهرة وذواتهم باطنة، منها ما تظهر أفعاله بوساطة الطبيعة، ومنها بوساطة النفس، ومنها بوساطة العقل وهو أجل منازل المخلوقين وأعلى رتبة الروحانيين؛ لأن الباري — جَلَّ ثناؤُهُ — جعل العقل سابقًا والنفس لاحقًا، والطبيعة سائقًا والهيولى شائقًا والعدم ماحقًا، والعقل هو المبدئ الأول والموجود الأول عن موجده أُبدِئ وبه يبقى؛ ولذلك صار ممتد الوجود بوجوده مستكمل الفضائل والخيرات، تام الأنوار والبركات معرى من الشوائب والتغييرات، مبرَّأ من النقص الواقع من جهة الهيوليات، يرتب كل موجود مرتبة وينزله منزله ويوفيه قسطه في لزوم النظام والبلوغ إلى التمام؛ ولذلك جعل له القوة الحافظة على سائر الموجودات ووجوداتها العاقلة لهم ذواتها الخاصة بواحد واحد منها يستحقها أو يليق بها، فلذلك يُشار إلى ذاتها باسم الفعل الصادر عنها؛ إذ فعله ذاته وصورته تأثيراته، فهذا هو السابق البادي، ثم يليه اللاحق التالي وهو القوة المخترعة بوساطته المبدعة بها الذوات من سائر الموجودات أفضل أحوالها في الوجود الذي هو الحياة، وهي النفس التي بها أعطى الأجسام أفضل صورها وأتم وجودها، ولما تصورت الأجسام بها، وانطبعت فيها حصلت لها بها قوة تتعلق بها الأجسام على قدر اختلافها فحصل صورة كل واحد منها مخالفة لصورة الآخر وهو الطبيعة الباقية في الأجسام، يحصل بها التخلُّق والتصوُّر والتشكُّل بالصورة الخاصة لواحد واحد منها، وهي قوة وضعها الباري — جَلَّ جلالُهُ — في الجسم، وعلَّق قوامه بوجودها فيه، وصيَّره بخاصتها للتحرك به إلى تمام معدله وغاية قدر لبلوغه إليه ووقوفه عنده إلا أن يعوقه عائق من خارج، فيمتنع من حركته إلى أن ينقطع ذلك فيعود إلى حركته الخاصية، ثم الهيولى الأولى التي هي ذات بالقوة لا موجود بالفعل يخرج إلى الوجود بالفعل بقبول الصورة التي بها يصير الشيء هو ما هو، ويفارقه كون العدم والعدم هو لا موجود بالفعل ولا موجود بالذات، موجود بالعرض، فسبحان خالق الوجود والعدل وباسط الأنوار، والظلم موجد وجود كل موجود، فينعدم ومعيده فينصرم ومنشئه فيبلى ومبقيه ليبقى، منه المبدأ وإليه المنتهى، تم الكلام على الرسائل.

    وتليها «الرسالة الجامعة لما في هذه الرسائل المتقدمة كلها» المشتملة على حقائقها بأسرها، والغرض منها إيضاح حقائق ما أشرنا إليه، ونبهنا في هذه الرسالة عليه أشد الإيضاح والبيان، يأتي على ما فيها فيتبين حقائقها ومعانيها ملخصة مستوفاة مهذبة مستقصاة ببراهين هندسية يقينية ودلائل فلسفية حقيقية، وبينات علمية وحجج عقلية وقضايا منطقية وشواهد قياسية وطرق إقناعية، لا يقف على كنهها ولا يحيط بحقائقها ولا يحصلها ولا شيئًا منها إلا مَن ارتاض بما قدمنا، وحذق وعرف وتدرب فيها وتمهر أو بما يشاكله؛ إذ هذه الرسائل كلها كالمقدمات لها والمداخل إليها والأدلة عليها والأنموذج منها لا ينفتح غلق معتاصها، ولا ينكشف مستور غامضها إلا لمَن تهذَّب بهذه الرسائل الاثنتين والخمسين أو بما شاكلها من الكتب، والرسالة الجامعة من رسائلنا هي منتهى الغرض لما قدمناه، وأقصى المدى ونهاية القصد وغاية المراد، ولله الحمد والمنة وله الحول والقوة.

    هذه فهرست رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا وأهل العدل وأبناء الحمد، وهي اثنتان وخمسون رسالة، ورسالة في تهذيب النفوس وإصلاح الأخلاق.

    واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن مثل صاحب هذه الرسائل مع طالبي العلم ومؤثري الحكمة، ومَن أحب خلاصه واختار نجاته كمثل رجل حكيم جواد كريم له بستان خضر نضر بهج مونق، معجب طيب الثمرات لذيذ الفواكه عطر الرياحين أرجة الأوراد فائحة الأزهار بهية المنظر، نزهة المرامي مختلفة الأشكال والأصباغ والألوان والمذاق والمشام من بين رطب ويابس وحلو وحامض، وفيها من سائر الطيور المطربة الأصوات الملهية الألحان المستحسنة التغريد، تطرد تحت أشجارها أنهار جارية وخلال أزهارها وخضرها جداول منسابة تموج، وفي حافات الأنهار خضر مونقة وأصداف مشرقة الألوان وجواهر متناسبة الأصباغ رائقة المناظر عجيبة الصور بديعة التأليف غريبة التنضيد، فرحة كل نفس، ونزهة كل عين، مسلاة كل هَم، مدعاة كل أنس، فأراد لكرم نفسه وسخاء سجيته أن يدخلها كل مستحق ويتلذذ فيها وبها كل مشرف عاقل، فنادى في الناس أن هلموا وادخلوا هذا البستان وكلوا من ثمارها ما اشتهيتم، وشُمُّوا من رياحينها ما اخترتم، وتفرَّجوا كيف شئتم، وتنزهوا أين هويتم، وافرحوا واطربوا وكلوا واشربوا وتلذذوا وتنعموا واستروحوا بطيبها وتنسموا بروائحها، فلم يجبه أحد ولم يصدقه خلق، ولا عبئوا به، ولا التفتوا إليه استعظامًا لقوله واستبعادًا لوصفه واستكبارًا لكلامه واستغرابًا لذكره، فرأى الحكيم من الرأي أن وقف على باب البستان وأخرج مما فيه تُحفًا وطُرفًا ولُطَفًا من كل ثمرة طيبة وفاكهة لذيذة وريحان زكي وورد جني ونور أنيق وجوهر بهي وطير غَرِد وشراب عَذْب، فكل مَن مر به عرضها عليه وشهَّاها إليه وذوَّقه منها، وحيَّاه بها، وأشمه من فوائح الرياحين، وأسمعه من بدائع التلحين حتى إذا ذاق وشم وفرح به وطرب منه وارتاح إليه واهتز وعلم أنه قد وقف على جميع ما في البستان، ومالت إليه نفسه واشتاق إلى دخول البستان وتمناه وقلق إليه ولم يصبر عنه، فقال له عند ذلك: ادخل البستان وكلْ ما شئت وشُم ما شئت واختر ما شئت، وانظر كيف شئت وتنزه أين شئت، وجئ من أين شئت وتلذذ وتنعم وتطيب وتنسم.

    فهكذا ينبغي لمن حصلت عنده هذه الرسائل، والرسالة لا يضيعها بوضعها في غير أهلها وبذلها لمن لم يرغب فيها، ولا يظلمها بمنعها عن مستحقها وصرفها عن مستوجبها ولا يعرِّفها إلا لكل حر خيِّر سديد مبصر للقصد، مجلِب للرشد من طالبي العلم ومؤثري الأدب ومحبي الحكم، وليتحرز في حفظها وأسرارها وإعلانها وإظهارها كلَّ التحرز، ويحرسها غاية الحراسة ويصنها أحسن الصيانة، وليكن المؤدي فيها حق الأمانة، لا يضعها إلا في حقها ولا يمنعها عن مستحقها، فإنها جلاء وشفاء ونور وضياء، بل كالداء إن لم تكن دواء، وكالفساد إن لم تكن صلاحًا، وكالهلاك إن لم تكن نجاة تداوي، وقد تدوي وتميت وتحيي، فهي كالترياق الكبير الذي هو في نفسه وحده، وتختلف الأحوال عنده فيفعل الشيء وضده بحسب القوابل والمنفعلات عنه والحواصل والمتوالد منه، بل مثلها الغذاء والضياء فإن بالغذاء القوة والزيادة، وبالضياء الأبصار والهداية.

    فكما أن الصبي الصغير والطفل الرضيع السليم من الداء المستعد للزيادة والنماء يحتاج إلى حسن التربية ولطف التغذية وإطعام ما هو له أوفق وأصلح وفيه أزكى وأنجع على معرفة ومقدار، ثم التدرج بغذائه حالًا بعد حال إلى استكمال قوته وتمام بنيته؛ لئلا يتغذى بما لا ينجع فيه ولا يستمرئه فيمرضه ويدويه بل يهلكه ويرديه، فكان الذي أعد لشفائه وبقائه هو سبب دائه وفنائه، أو كالعليل الملتبس بالداء البعيد من الشفاء إن غُذي لا ينتفع بغذائه بل يزيد في دائه، وربما كان سبب هلاك نفسه وانقضاء عمره، وأما الضياء فإنه لا يصلح إلا لمن فتح عينه وصح نظره وقوي بصره، ويزيده الجلاء جلاءً والنور قوة وضياءً، فأما مَن لم يفتح عينه أو كان قريب العهد بالخروج من الظلام فيضعف جدًّا عن مقابلة ضوء النهار ونور الشمس بل يكسبه الضياء ظلمة البصر حتى ربما صار ضلالًا وعمًى، وكذلك مَن كان عليل الطرْف أرمدَ العين ذا عوَر أو في بصره سوء وقذًى فلا يفتح عينه فيبصر، ولا يعاين الصور فيميز، بل يستريح أبدًا إلى الظلمات، ويهرب من الضياء، وكما زاد الضياء نقص إبصاره وضعف إدراكه، فإن لج أداه إلى الغشاء والعماء وفقدْ النظر وذهاب البصر، كذلك الواجب على مَن حصلت عنده هذه الرسائل وهذه الرسالة أن يتقي الله تعالى فيها بأن يهتم ويعتني بها غاية العناية، ولا يخِّل بهذه الوصاية، ويتلطف في استعمالها وإيصالها تلطُّف الأخ الشقيق والأب الشفيق والوادِّ الصديق والطيب الرفيق بعد بذل وسْعه واستفراغ جهده في توخي القصد، وتحري الصواب في بذله شيئًا بعد شيء لمن رآه شديد الحاجة إليه؛ عظيم الحرص عليه؛ كثير الرغبة فيه بعد أن اختبرهم واستبرأهم واستكشف حالهم فمَن أنس منه رشدًا ورجا فيه خيرًا ممن أقصى مناه خلاص روحه ونجاة نفسه وجعل سعيه فيما يرجع إلى ذاته وإلى ما هو سبب حياته يزهد في أعراض الدنيا، ويرغب فيما هو خير وأبقى لا يكذب نفسه ولا يسامحها بل يصدقها صدقًا، ويجد حزمًا، ويعلم حقًّا أن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يُرى ثم يُجزاه الجزاء الأوفى وأن إلى ربك المنتهى، دفعها إليه رسالة رسالة على الولاء شبيه الغذاء والتربية والنماء وكالدواء للصحة والشفاء والكحل والجلاء لتقوية البصر والضياء ما يقرب من فهْمه ويليق بمحله من علمه، ويستصلحه لمثله قدر ما يغذيه ويربيه ويصحه ويشفيه، بل يبصره ويهديه ويشده ويقوِّيه أولًا فأولًا، على الترتيب المبين في الفهرست حتى إذا ما تمكنت الحكمة من نفسه وأنست به وتصورت عنده واستقر في خَلَده وقوي فيه وتحقق بفكرة معانيه، طلب عند ذلك الكل بشدة حرص وانشراح صدر وغاية رغبة وخلوص نية وقوة عزيمة، وفضل معرفة وزيادة يقين وصحة بصيرة فحصَّلها وعمل بها، واستحق بعد النظر فيهن والوقوف على جمل معانيهن النظرَ في الرسالة الجامعة التي هي نهاية المراد ونزهة المرتاد والفوز في المعاش والمعاد؛ لأن بهن التوصل إليها وبفهمهن الوقوف عليها، فمَن وفَّقه الله لذلك ويسَّره فقد هداه من الحيرة، وأحياه بعد الموت، وأمَّنه من الخوف، وأزلفه إليه، وأسبغ جلائل نعمه عليه فيبقى بقاء الأبد، ويدوم دوام السرمد في السعادة التامة والبركات العامة والنعيم المقيم، والله يهدي مَن يشاء إلى صراط مستقيم.
    سلام قولا من رب رحيم

  • #2
    معلومات قيمة وبحث رائع
    شكرا جزيلا لك أخي الكريم

    تعليق


    • #3
      جزاكم الله كل خير اخي الكريم

      علي هذا المجهود الكبير

      في جمع وفهرست هذه الرسائل

      ربنا يبارك فيك وفي اهلك وما تملك

      ويجعل هذه الرسائل سببا في نفع وتعلم الإخوة

      ولا انسي اخي الزعري جزاه الله كل خير

      فهو من أشار لهذه الرسائل وأهميتها وما تحويه من علم

      ربنا يبارك فيك اخي الزعري ويجعلك سببا للخير لإخوانك دائما

      اللهم امين

      تعليق


      • #4
        جزاكم الله خير اخي ستاربور على المجهود الراءع

        تعليق


        • #5
          بارك الله فيكم وجزاكم الله كل خير

          تعليق


          • #6
            موضوع جميل

            تعليق


            • #7
              بارك الله فيكم وجزاكم الله كل خير

              تعليق

              يعمل...
              X