الرسالة الأولى
في العدد
الْحَمْدُ لِلهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى
اعلم أيها الأخ البار الرحيم بأنه لما كان من مذهب إخواننا الكرام — أيَّدهم الله — النظر في جميع علوم الموجودات التي في العالم من الجواهر والأعراض والبسائط والمجردات والمفردات والمركبات، والبحث عن مبادئها وعن كمية أجناسها وأنواعها وخواصها، وعن ترتيبها ونظامها على ما هي عليه الآن، وعن كيفية حدوثها ونشوئها عن علة واحدة ومبدأ واحد من مبدع واحد جل جلاله، ويستشهدون على بيانها بمثالات عددية وبراهين هندسية مثل ما كان يفعله الحكماء الفيثاغوريون؛ احتجنا أن نقدم هذه الرسالة قبل رسائلنا كلها، ونذكر فيها طرفًا من علم العدد وخواصه التي تُسمى «الأرثماطيقي» شبه المدخل والمقدمات؛ لكيما يسهل الطريق على المتعلمين إلى طلب الحكمة التي تُسمى الفلسفة، ويقرب تناولها للمبتدئين بالنظر في العلوم الرياضية، فنقول:
الفلسفة أولها محبة العلوم، وأوسطها معرفة حقائق الموجودات بحسب الطاقة الإنسانية، وآخرها القول والعمل بما يوافق العلم. والعلوم الفلسفية أربعة أنواع: أولها الرياضيات، والثاني المنطقيات، والثالث العلوم الطبيعيات، والرابع العلوم الإلهيات، فالرياضيات أربعة أنواع: أولها الأرثماطيقي، والثاني الجومطريا، والثالث الأسطرنوميا، والرابع الموسيقى، فالموسيقى هو معرفة تأليف الأصوات وبه استخراج أُصُول الألحان، والأسطرنوميا هو علم النجوم بالبراهين التي ذُكرت في كتاب المجسطي، والجومطريا هو علم الهندسة بالبراهين التي ذُكرت في كتاب إقليدس، والأرثماطيقي هو معرفة خواص العدد وما يطابقها من معاني الموجودات التي ذكرها فيثاغورس ونيقوماخس، فأول ما يُبتدأ بالنظر به في هذه العلوم الفلسفية الرياضيات، وأول الرياضيات معرفة خواص العدد؛ لأنه أقرب العلوم تناولًا، ثم الهندسة ثم التأليف ثم التنجيم ثم المنطقيات ثم الطبيعيات ثم الإلهيات، وهذا أول ما نقول في علم العدد شبه المدخل والمقدمات:
الألفاظ تدل على المعاني والمعاني هي المسميات، والألفاظ هي الأسماء، وأعم الألفاظ والأسماء قولنا: «الشيء»، والشيء إما أن يكون واحدًا أو أكثر من واحد، فالواحد يُقال على الوجهين إما بالحقيقة وإما بالمجاز، فالواحد بالحقيقة هو الشيء الذي لا جزء له البتة ولا ينقسم، وكل ما لا ينقسم فهو واحد من تلك الجهة التي بها لا ينقسم، وإن شئت قلتَ الواحد ما ليس فيه غيره بما هو واحد، وأما الواحد بالمجاز فهو كل جملة يُقال لها واحد كما يُقال عشرة واحدة ومائة واحدة وألف واحد. والواحد واحد بالوحدة، كما أن الأسود أسود بالسواد، والوحدة صفة للواحد كما أن السواد صفة للأسود. وأما الكثرة فهي جملة لآحاد، وأول الكثرة الاثنان ثم الثلاثة ثم الأربعة ثم الخمسة، وما زاد على ذلك بالغًا ما بلغ. والكثرة نوعان: إما عدد وإما معدود، والفرق بينهما أن العدد إنما هو كمية صور الأشياء في نفس العادِّ، وأما المعدودات فهي الأشياء نفسها، وأما الحساب فهو جمع العدد وتفريقه. والعدد نوعان: صحيح وكسور، والواحد الذي قبل الاثنين هو أصل العدد ومبدأه، ومنه ينشأ العدد كله، صحيحه وكسوره، وإليه ينحل راجعًا، أما نشوء الصحيح فبالتزايد، وأما الكسور فبالتجزؤ، والمثال في ذلك ما أقول في نشوء الصحيح إنه إذا أُضيف إلى الواحد واحد آخر يُقال عند ذلك إنهما اثنان، وإذا أُضيف إليهما واحد آخر يُقال لتلك الجملة ثلاثة، وإذا أُضيف إليها واحد آخر يُقال لها أربعة، وإذا أُضيف إليها واحد يُقال لها خمسة، وعلى هذا القياس نشوء العدد الصحيح بالتزايد واحدًا واحدًا بالغًا ما بلغ، وهذه صورتها: «١ ٢ ٣ ٤ ٥ ٦ ٧ ٨ ٩».
وأما تحليل العدد إلى الواحد فعلى هذا المثال الذي أقول إنه إذا أُخذ من العشرة واحد تبقى تسعة، وإذا أُلقي من التسعة واحد تبقى ثمانية، وإذا أُسقط من الثمانية واحد تبقى سبعة، وعلى هذا القياس يُلقى واحد واحد حتى يبقى واحد، فالواحد لا يمكن أن يُلقى منه شيء؛ لأنه لا جزء له البتة، فقد تبين كيف ينشأ العدد الصحيح من الواحد وكيف ينحل إليه، وأما نشوء العدد الكسور من الواحد فعلى هذا المثال الذي أقول إنه إذا رُتب العدد الصحيح على نظمه الطبيعي الذي هو واحد اثنان ثلاثة أربعة خمسة ستة سبعة ثمانية تسعة عشرة، ثم أُشير إلى الواحد من كل جملة فإنه يتبين كيف يكون نشوءه من الواحد، وذلك أنه إذا أُشير إلى الواحد من الاثنين يُقال للواحد عند ذلك نصف، وإذا أُشير إلى الواحد من جمله الثلاثة فيُقال له الثلث، وإذا أُشير إليه من جملة الأربعة يُقال له الربع، وإذا أُشير إليه من جمله الخمسة يُقال له الخمس، وكذلك السدس والسبع والثمن والتسع والعشر، وأيضًا إذا أُشير إلى الواحد من جملة الإحدى عشر فيُقال له: جزء من أحد عشر ومن اثني عشر نصف السدس ومن ثلاثة عشر جزءًا من ثلاثة عشر ومن أربعة عشر نصف السبع وخمسة عشر ثلث الخمس، وعلى هذا المثال يعتبر سائر الكسور، فقد تبيَّن كيف يكون نشوء العدد من الواحد الصحيح منها والكسور جميعًا، وكيف هو أصل لهما جميعًا، وهذه صورتها:
.
واعلم يا أخي بأن العدد الصحيح رُتب أربع مراتب: آحاد وعشرات ومئات وألوف، فالآحاد من واحد إلى تسعة، والعشرات من عشرة إلى تسعين، والمئات من مائة إلى تسعمائة والألوف من ألف إلى تسعة آلاف، ويشتملها كلها اثنتا عشرة لفظة بسيطة، وذلك من واحد إلى عشرةٍ عشرةُ ألفاظ، ولفظةُ مائة ولفظة ألف فصار الجميع اثنتي عشرة لفظة بسيطة، وأما سائر الألفاظ فمشتقة منها أو مركبة أو مكررة، فالمكررة كالعشرين من العشرة، والثلاثين من الثلاثة، والأربعين من الأربعة، وأمثال ذلك، وأما المركبة كالمائتين وثلاثمائة وأربعمائة وخمسمائة فإنها مركبة من لفظة المائة مع سائر الآحاد، وكذلك ألفان وثلاثة آلاف وأربعة آلاف، فإنها مركبة من لفظة الألف مع سائر الألفاظ من الآحاد والعشرات والمئات، كما يُقال خمسة آلاف وسبعة آلاف وعشرون ألفًا ومائة ألف وسائر ذلك، وهذه صورتها:
.
أما الآحاد فهي «أ ب ج د ﻫ و ز ح ط ي»،
وأما العشرات فهي «ك ل م ن س ع ف ص»،
وأما المئات فهي «ق ر ش ت ث خ ذ ض ظ»،
وأما الألوف فهي «غ بغ، جغ، دغ، هغ، وغ، زغ، حغ، طغ، يغ».
واعلم بأن كون العدد على أربع مراتب، التي هي الآحاد والعشرات والمئات والألوف ليس هو أمرًا ضروريًّا لازمًا لطبيعة العدد مثل كونه أزواجًا وأفرادًا صحيحًا وكسورًا بعضها تحت بعض، لكنه أمر وضعي رتبته الحكماء باختيار منهم؛ وإنما فعلوا ذلك لتكون الأمور العددية مطابقة لمراتب الأُمُور الطبيعية، وذلك أن الأُمُور الطبيعية أكثرها جعلها الباري — جَلَّ ثناؤُهُ — مربعات مثل الطبائع الأربع التي هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، ومثل الأركان الأربعة التي هي النار والهواء والماء والأرض، ومثل الأخلاط الأربعة التي هي الدم والبلغم، والمرتان المرة الصفراء والمرة السوداء، ومثل الأزمان الأربعة التي هي الربيع والصيف والخريف والشتاء، ومثل الجهات الأربع، والرياح الأربع: الصبا والدبور والجنوب والشمال، والأوتاد الأربع: الطالع والغارب ووتد السماء ووتد الأرض، والمكونات الأربع التي هي المعادن والنبات والحيوان والإنس، وعلى هذا المثال وجد أكثر الأُمُور الطبيعية مربعات.
واعلم بأن هذه الأُمُور الطبيعية إنما صارت أكثرها مربعات بعناية الباري — جل ثناؤه — واقتضاء حكمته لتكون مراتب الأُمُور الطبيعية مطابقة للأمور الروحانية التي هي فوق الأُمُور الطبيعية، وهي التي ليست بأجسام، وذلك أن الأشياء التي فوق الطبيعية على أربع مراتب؛ أولها الباري — جَلَّ جلالُهُ — ثم دونه العقل الكلي الفعال، ثم دونه النفس الكلية، ثم دونه الهيولى الأولى، وكل هذه ليست بأجسام.
واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن نسبة الباري — جَلَّ ثناؤُهُ — من الموجودات كنسبة الواحد من العدد، ونسبة العقل منها كنسبة الاثنين من العدد، ونسبة النفس من الموجودات كنسبة الثلاثة من العدد، ونسبة الهيولى الأولى كنسبة الأربعة.
واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن العدد كله آحاده وعشراتُهُ ومئاته وألوفه أو ما زاد بالغًا ما بلغ؛ فأصلها من الواحد إلى الأربعة، وهي هذه «١ ٢ ٣ ٤»، وذلك أن سائر الأعداد كلها من هذه يتركب ومنها ينشأ وهي أصل فيها كلها.
بيان ذلك أنه إذا أُضيفَ واحدٌ إلى أربعة كانت خمسة، وإن أُضيف اثنان إلى أربعة كانت ستة، وإن أضيف ثلاثة إلى أربعة كانت سبعة، وإن أضيف واحدٌ وثلاثةٌ إلى أربعة كانت ثمانية، وإن أضيف اثنان وثلاثة إلى أربعة كانت تسعة، وإن أضيف واحد واثنان وثلاثة إلى أربعة كانت عشرة. وعلى هذا المثل حُكم سائر الأعداد من العشرات والمئات والألوف وما زاد بالغًا ما بلغ.
وكذلك أُصُول الخط أربعةٌ، وسائر الحروف منها يتركب، والكلامُ من الحروف يتركب — كما بَيَّنَّا فيما بعد — فاعتبرها، فإنك تجد ما قلنا حقًّا صحيحًا، ومن يُريد أن يعرف كيف اخترع الباري — جَلَّ ثناؤُهُ — الأشياء في العقل وكيف أَوْجَدَها في النفس وكيف صورها في الهيولى فليعتبر ما ذكرنا في هذا الفصل.
واعلمْ يا أخي أن الباري — جل ثناؤُهُ — أول شيء اخترعه وأبدعه من نور وحدانيته جوهرٌ بسيطٌ يُقال له: العقل الفعال كما أنشأ الاثنين من الواحد بالتكرار، ثم أنشأ النفس الكلية الفلكية من نور العقل، كما أنشأ الثلاثة بزيادة الواحد على الاثنين، ثم أنشأ الهيولى الأولى من حركة النفس كما أنشأ الأربعة بزيادة الواحد على الثلاثة، ثم أنشأ سائر الخلائق من الهيولى ورتبها بتوسُّط العقل والنفس كما أنشأ سائر العدد من الأربعة بإضافة ما قبلها إليها — كَمَا مَثَّلْنا قبل.
واعلم يا أخي، أيدك الله بروح منه، بأنك إذا تأملت ما ذكرنا من تركيب العدد من الواحد الذي قبل الاثنين ونشوئه منه؛ وجدته مِن أَدَلِّ الدليل على وحدانية الباري — جَلَّ ثناؤُهُ — وكيفية اختراعه الأشياء وإبداعه لها؛ وذلك أن الواحد الذي قبل الاثنين وإن كان منه يتصور وجود العدد وتركيبة — كَمَا بَيَّنَّا قبل — فهو لم يتغير عما كان عليه ولم يتجزأ.
كذلك الله — عز وجل — وإن كان هو الذي اخترع الأشياء من نور وحدانيته وأبدعها وأنشأها وبه قوامُها وبقاؤها وتمامها وكمالها فهو لم يتغيرْ عما كان عليه من الوحدانية قبل اختراعه وإبداعه لها — كَمَا بَيَّنَّا في رسالة المبادئ العقلية — فقد أنبأناك بما ذكرنا من أن نسبة الباري — جَلَّ ثناؤُهُ — من الموجودات كنسبة الواحد من العدد، وكما أن الواحد أصل العدد ومنشأه وأوله وآخره؛ كذلك الله — عز وجل — هو علة الأشياء وخالقها وأولها وآخرها.
وكما أن الواحد لا جزء له ولا مثل له في العدد، فكذلك الله — جَلَّ ثناؤُهُ — لا مثل له في خلقه ولا شبه، وكما أن الواحد محيطٌ بالعدد كله، ويعده كذلك الله — جَلَّ جلالُهُ — عالم بالأشياء وماهياتها تعالى الله عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا.
واعلم يا أخي بأن مراتب العدد عند أكثر الأمم على أربع مراتب كما تقدم ذكرها، وأما عند الفيثاغوريين فعلى ستة عشر مرتبة، وهذه صورتها:
.
واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن العدد الكسور مراتبه كثيرة؛ لأنه ما من عدد صحيح إلا وله جُزء أو جزآن أو عدة أجزاء كالاثني عشر، فإن له نصفًا وثلثًا وربعًا وسدسًا ونصف سدس، وكذلك الثمانية وعشرون وغيرهما من الأعداد، إلا أن العدد الكسور وإن كثرت مراتبه وأجزاؤه فهي مرتَّبة بعضها تحت بعض، ويشملها كلها عشرة ألفاظ، لفظة منها عامة مبهمة وتسعة مخصوصة مفهومة ومن التسعة الألفاظ لفظة موضوعة، وهي النصف.
وثمانية مشتقة وهي: الثلث من الثلاثة والربع من الأربعة والخمس من الخمسة والسدس من الستة والسبع من السبعة والثمن من الثمانية والتسع من التسعة والعشر من العشرة، وأما اللفظة العامة المبهمة فهي الجزء؛ لأن الواحد من أحد عشر يقال له: جزء من أحد عشر وكذلك من ثلاثة عشر ومن سبعة عشر وما شاكل ذلك.
وأما باقي الألفاظ الكسور فمضافةٌ إلى هذه العشرة الألفاظ كما يقال لواحد من اثني عشر: نصف السدس، ولواحد من خمسة عشر: خمس الثلث، ولواحد من عشرين: نصف العشر، وعلى هذا المثال يتبين سائر معاني الكسور بإضافة بعضها لبعض.
واعلم بأن نوعي العدد يذهبان في الكثرة بلا نهاية، غير أن العدد الصحيح يَبتدئ من أقل الكمية وهو الاثنان ويذهب في التزايد بلا نهاية، وأما الكسور فيبتدئ من أكثر الكمية وهو النصف ويمر في التجزؤ بلا نهاية، فكلاهما من حيث الابتداء ذو نهاية، ومن حيث الانتهاء غير ذي نهاية.
(١) فصل في خواص العدد
ثم اعلم أن ما من عدد إلا وله خَاصِّيَّة أو عدة خواص، ومعنى الخَاصِّيَّة أنها الصفة المخصوصة للموصوف الذي لا يشركه فيها غيره، فخَاصِّيَّة الواحد أنه أصل العدد ومنشأه — كما بينا قبل — وهو يعد العدد كله الأزواج والأفراد جميعًا، ومن خَاصِّيَّة الاثنين أنه أول العدد مطلقًا وهو يعد نصف العدد الأزواج دون الأفراد، ومن خَاصِّيَّة الثلاثة أنها أول عدد الأفراد، وهي تعد ثلث الأعداد تارة الأفراد وتارة الأزواج، ومن خَاصِّيَّة الأربعة أنها أول عدد مجذور، ومن خَاصِّيَّة الخمسة أنها أول عدد دائر، ويقال: كري، ومن خاصية الستة أنها أول عدد تام، ومن خَاصِّيَّة السبعة أنها أول عدد كامل، ومن خَاصِّيَّة الثمانية أنها أول عدد مكعب، ومن خَاصِّيَّة التسعة أنها أول عدد فرد مجذور وأنها آخر مرتبة الآحاد. ومن خَاصِّيَّة العشرة أنها أول مرتبة العشرات، ومن خَاصِّيَّة الأحد عشر أنها أول عدد أصم، ومن خَاصِّيَّة الاثني عشر أنها أول عدد زائد.
وبالجملة: إن من خَاصِّيَّة كل عدد أنه نصف حاشيتيه مجموعتين وإذا جُمعت حاشيتاه تكونان مثله مرتين، ومثال ذلك خمسة فإن إحدى حاشيتيها أربعة والأُخرى ستة ومجموعهما عشرة وخمسة نصفها، وعلى هذا القياس يوجد سائر الأعداد إذا اعتبر، وهذه صورتها:
١ ٢ ٣ ٤ — ٥ — ٦ ٧ ٨ ٩
وأما الواحد فليس له إلا حاشية واحدة وهي الاثنان والواحد نصفها وهي مثله مرتين، وأما قولنا: إن الواحد أصل العدد ومنشأه فهو أن الواحد إذا رفعته من الوجود ارتفع العدد بارتفاعه، وإذا رفعت العدد من الوجود لم يرتفع الواحد، وأما قولنا: إن الاثنين أول العدد مطلقًا فهو أن العدد كثرة الآحاد وأول الكثرة اثنان، وأما قولنا: إن الثلاثة أول الأفراد فهي كذلك؛ لأن الاثنين أول العدد وهو الزوج، ويليه ثلاثةٌ، وهي فرد، وأما قولنا: إنها تُعَدُّ ثلث العدد تارة الأفراد وتارة الأزواج فلأنها تتخطى العددين وتعد الثالث منهما، وذلك الثالث يكون تارة زوجًا وتارة فردًا، وأما قولنا: إن الأربعة أول عدد مجذور فلأنها من ضرب الاثنين في نفسه وكل عدد إذا ضُرب في نفسه يَصير جذرًا والمجتمع من ذلك مجذورًا.
وأما ما قيل من أن الخمسة أول عدد دائر فمعناه أنها إذا ضربت في نفسها رجعت إلى ذاتها، وإن ضرب ذلك العدد المجتمع من ضربها في نفسها رجع إلى ذاته أيضًا، وهكذا دائمًا؛ مثال ذلك خمسة في خمسة خمسة وعشرون، وإذا ضرب خمسة وعشرون في مثله صار ستمائة وخمسة وعشرين، وإذا ضرب هذا العدد أيضًا في نفسه خرج ثلاثمائة ألف وتسعون ألفًا وستمائة وخمسة وعشرون، وإن ضرب هذا العدد في نفسه خرج عدد آخر وخمسة وعشرون. ألا ترى أن الخمسة كيف تحفظ نفسها وما يتولد منها دائمًا بالغًا ما بلغ؟ وهذه صورتها:
٥ – ٢٥ – ٦٢٥ – ٣٩٠٦٢٥
وأما الستة فإن فيها مشابهة للخمسة في هذا المعنى لكنها ليست ملازمة كلزوم الخمسة ودوامها ٦ ٣٦ ١٢٩٦ ستة في ستة ستة وثلاثون فالستة راجعة إلى ذاتها وظهر ثلاثون وإذا ثلاثون، وإذا ضربت ستة وثلاثون في نفسها خرج ألف ومائتان وستة وتسعون فظهرت الستة ولم يظهر الثلاثون، فقد بان أن الستة تحفظ نفسها ولا تحفظ ما يتولد منها، وأما الخمسة فإنها تحفظ نفسها وما يتولد منها دائمًا أبدًا. وأما ما قيل من خَاصِّيَّة الستة أنها أول عدد تام فمعناه أن كل عدد إذا جمعت أجزاء فكانت مثله سواء سمي ذلك العدد عددًا تامًّا فالستة أولها، وذلك أن لها نصفًا وهو ثلاثة، وثلثا وهو اثنان وسدسًا وهو واحد فإذا جمعت هذه الأجزاء كانت ستة سواء وليست هذه الخَاصِّيَّة لعدد قبلها، ولكن لما بعدها لثمانية وعشرين ولأربعمائة وستة وتسعين وثمانية آلاف ومائة وثمانية وعشرين، وهذه صورتها:
٦ ٢٨ ٤٩٦ ٨١٢٨
وأما ما قيل: إن السبعة أول عدد كامل فمعناه أن السبعة قد جَمعت معاني العدد كلها؛ وذلك أن العدد كله أزواج وأفراد، والأزواج منها أول وثان، فالاثنان أول الأزواج، والأربعة زوج ثانٍ، والأفراد منها أول وثان والثلاثة أول الأفراد والخمسة فرد ثان، فإذا جمعت فردًا أولًا إلى زوج ثانٍ أو زوجًا أولًا إلى فرد ثان كانت منها سبعة؛ مثال ذلك أنك إذا جمعت الاثنين الذي هو أول الأزواج إلى الخمسة الذي هو فرد ثانٍ كان منهما سبعة، وكذلك إذا جمعت الثلاثة التي هي فرد أول إلى الأربعة التي هي زوج ثانٍ كانت منهما سبعة، وكذلك إذا أخذ الواحد الذي هو أصل العدد مع الستة التي هي عدد تام يكون منهما السبعة التي هي عدد كامل، وهذه صورتها:
٧٦٥٤٣٢١
وهذه الخَاصِّيَّة لا توجد لعدد قبل السبعة ولها خواصُّ أُخَرُ، سنذكرها عند ذكرنا أن الموجودات بحسب طبيعة العدد.
وأما ما قيل: إن الثمانية أول عدد مكعب فمعناه أن كل عدد إذا ضُرب في نفسه سُمِّيَ جذرًا والمجتمع منهما مجذورًا — كما بَيَّنَّا مِنْ قبل — وإذا ضرب المجذور في جذره سمي المجتمع من ذلك مكعبًا؛ وذلك أن الاثنين أول العدد، فإذا ضرب في نفسه كان المجتمع منه أربعة وهي أول عدد مجذور ثم ضرب المجذور في جذره الذي هو اثنان فخرج من ذلك ثمانية، فالثمانية أول عدد مكعب.
وأما ما قيل: إنها أول عدد مجسم فلأن الجسم لا يكون إلا من سطوح متراكمة، والسطح لا يكون إلا من خطوط متجاورة، والخط لا يكون إلا من نقط منتظمة، كَمَا بَيَّنَّا في رسالة «الهندسة»، فأقل خط من جزأين وأضيف سطح من خطين وأصغر جسم من سطحين، فينتج من هذه المقدمات أن أصغر جسم من ثمانية أجزاء؛ أحدها الخط وهو جزءان فإذا ضرب الخط في نفسه كان منه السطح وهو أربعة أجزاء، وإذا ضرب السطح في أحد طوليه كان منه العمق فيصير جملة ذلك ثمانية أجزاء طول اثنين في عرض اثنين في عمق اثنين.
وأما ما قيل: إن التسعة أول فرد مجذور فلأن الثلاثة في الثلاثة تسعة وليس من السبعة والخمسة والثلاثة شيءٌ مجذور.
وأما ما قيل: إن العشرة أول مرتبة العشرات فهو بَيِّنٌ، كما أن الواحد أول مرتبة الآحاد، وهذا بين ليس يحتاج إلى الشرح ولها خَاصِّيَّة أُخرى وهي تُشبه خَاصِّيَّة الواحد، وذلك أنه ليس لها من جنسها إلا طرفٌ واحدٌ، وهو العشرون، وهي نصفها كَمَا بَيَّنَّا للواحد أنه نصف الاثنين.
وأما ما قيل: إن الأحد عشر أولُ عدد أصم، فلأنه ليس له جزء ينطق به ولكن يقال: واحد من أحد عشر واثنان منه، وكل عدد هذا وصفُهُ يسمى أَصَمَّ مثل ثلاثة عشر وسبعة عشر وما شاكل ذلك، وهذه صورتها:
.
وأما ما قيل: إن الاثني عشر أول عدد زائد؛ فلأن كل عدد إذا جُمعت أجزاؤه وكانت أكثر منه سمي عددًا زائدًا والاثنا عشر أولها، وذلك أن لها نصفًا وهو ستة ولها ثلث وهو أربعة وربع وهو ثلاثة وسدس وهو اثنان، ونصف سدس وهو واحد. وإذا جمعت هذه الأجزاء كانت ستة عشر، وهي أكثر من الاثني عشر بزيادة أربعة، وهذه صورتها:
١٢ نصف ٦ ثلث ٤ ربع ٣ سدس ٢ نصف السدس ١
وبالجملة ما من عدد صحيح إلا وله خَاصِّيَّة تختص به دون غيره، ونحن تركنا ذكرها كراهية للتطويل.
•••
واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، أن العدد ينقسم قسمين: صحيح وكسور كما بينا قبل، فالصحيح ينقسم قسمين أزواجًا وأفرادًا، فالزوج هو كل عدد ينقسم بنصفين صحيحين، والفرد كل عدد يزيد على الزوج واحدًا أو ينقص عن الزوج بواحد، فأما نشوء عدد الزوج فيبتدئ من الاثنين بالتكرير دائمًا على ما يرى:
.
وأما نشوء الأفراد فيبتدئ من الواحد إذا أضيف إليه اثنان وأضيف إلى ذلك اثنان دائمًا بالغًا ما بلغ:
.
والزوج ينقسم على ثلاثة أنواع:
زوج الزوج،
وزوج الفرد،
وزوج الزوج والفرد؛
فزوج الزوج هو كل عدد ينقسم بنصفين صحيحين متساويين ونصفه بنصفين دائمًا إلى أن تنتهي القسمةُ إلى الواحد، مثال ذلك أربعة وستون، فإنه زوج الزوج، وذلك أن نصفه اثنان وثلاثون، ونصفه ستة عشر، ونصفه ثمانية، ونصفه أربعة، ونصفه اثنان، ونصفه واحد. ونشوء هذا العدد يبتدئ من الاثنين إذا ضُرب في الاثنين ثم ضرب المجموع في الاثنين وما يجمع من ذلك في الاثنين، ثم ضرب المجموع في الاثنين دائمًا بلا نهاية.
ومن أراد أن يتبين هذا مستقصًى فليضعف بيوت الشطرنج فإنه لا يخرج إلا من هذا العدد، أعني زوج الزوج؛ ولهذا العدد خواص أُخر ذكرها نيقوماخس في كتابه بشرح طويل ونحن نذكر منها طرفًا؛ قال:
إن هذا العدد إذا رُتب على نظمه الطبيعي وهو واحد اثنان أربعة ثمانية ستة عشر اثنان وثلاثون أربعة وستون، وعلى هذا القياس بالغًا ما بلغ فإن مِنْ خاصيته أن من ضرب الطرفين أحدهما في آخر يكون مساويًا لضرب الواسطة في نفسها إن كان له واسطةٌ واحدةٌ، وإن كانت له واسطتان فمثل ضرب أحدهما في الأخرى، مثال ذلك أربعةٌ وستون فإنه الطرف الآخر والواحد الطرف الأول وله واسطةٌ واحدةٌ، وهي ثمانيةٌ، فأقول: إن ضرب الواحد في أربعة وستين أو الاثنين في اثنين وثلاثين أو الأربعة في ستة عشر مساوٍ لضرب ثمانية في نفسها، وهذه صورتها:
.
وإن زيدت فيه رتبة أخرى حتى يصير له واسطتان فأقول: إن ضرب الطرفين أحدهما في الآخر يكون مساويًا لضرب الواسطتين إحداهما في الأخرى؛ مثال ذلك مائة وثمانية وعشرون إذا ضرب في واحد وأربع وستون في اثنين أو اثنان وثلاثون في أربعة يكون مساويًا لضرب ستة عشر في ثمانية، وهذه صورتها:
.
.
ولهذا العدد خَاصِّيَّة أخرى أنه إذا جمع من واحد إلى حيث ما بلغ يكون أقل من ذلك العدد الذي انتهى إليه بواحد؛ مثال ذلك إذا أُخذ واحد واثنان وأربعة يكون جملتها أقل من ثمانية بواحد وإن زيدت الثمانية عليها يكون الجملة أقل من ستة عشر بواحد وإن زيدت الستة عشر عليها يكون الجملة أقل من اثنين وثلاثين بواحد، وعلى هذا القياس توجد مراتب هذا العدد بالغًا ما بلغ، وهذه صورتها:
.
وأما زوج الفرد فهو كل عدد ينقسم بنصفين مرة واحدة ولا ينتهي في القسمة إلى الواحد، مثل ستة وعشرة وأربعة عشر وثمانية عشر واثنين وعشرين وستة وعشرين، فإن كل واحد من هذه وأمثالها من العدد ينقسم مرة واحدة ولا ينتهي إلى الواحد، ونشوء هذا العدد من ضرب كل عدد فرد في اثنين، وهذه صورتها: «و ي يد يح كب كول لو لج مب مو» كل واحد من هذه الأعداد نصفٌ لِمَا فوقه من العدد، وأما زوجُ الزوج والفرد فهو كل عدد ينقسم بنصفين أكثر من مرة واحدة ولا ينتهي في القسمة إلى الواحد مثل اثني عشر وعشرين وأربعة وعشرين وثمانية وعشرين وأمثالها في الأعداد، وهذه صورتها:
.
ونشوء هذا العدد من ضرب زوج الفرد في اثنين مرة أو مرارًا كثيرة، ولها خواص تركنا ذكرها مخافة التطويل.
وأما العدد الفرد فيتنوع قسمين:
فرد أول وفرد مركب،
والفرد المركب نوعان مشترك ومتباين، تفصيل ذلك: أما الفرد الأول فهو كل عدد لا يعده غير الواحد عدد آخر مثل ثلاثة خمسة سبعة أحد عشر ثلاثة عشر سبعة عشر تسعة عشر ثلاثة وعشرين وأشباه ذلك من العدد، وخَاصِّيَّة هذا العدد أنه ليس له جزء سوى المسمى له؛ وذلك أن الثلاثة ليس لها إلا الثلث والخمسة ليس لها إلا الخمس وكذلك السبعة ليس لها إلا السبع، وهكذا الأحد عشر والثلاثة عشر والسبعة عشر، وبالجملة: جميع الأعداد الصم لا يعدها إلا الواحد فإن اسم جزئها مشتق منها.
وأما الفرد المركب فهو كل عدد يعده غير الواحد عدد آخر مثل تسعة وخمسة وعشرين وتسعة وأربعين وواحد وثمانين، وأمثالها من العدد، وهذه صورتها «ط كه مط فاقكا قسط»، وأما الفرد المشترك فهو كل عددين يعدهما غير الواحد عدد آخر مثل تسعة وخمسة عشر وواحد وعشرين؛ فإن الثلاثة تعدها كلها وكذلك خمسة عشر وخمس وعشرون وخمسة وثلاثون، فإن الخمسة تعدها كلها، فهذه الأعداد وأمثالها تسمى مشتركة في العدد الذي يعدها، وهذه صورتها «ط يه كا كه له»، وأما الأعداد المتباينة فهي كل عددين يعدهما عددان آخران غير الواحد، ولكن الذي يعد أحدهما لا يعد الآخر مثل تسعة وخمسة وعشرين؛ فإن الثلاثة تعد التسعة ولا تعد الخمسة والعشرين والخمسة تعد الخمسة والعشرين ولا تعد التسعة، فهذه الأعداد وأمثالُها يُقال لها: المتباينة.
.
.
فصل
واعلمْ يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن مِن خَاصِّيَّة كل عدد فرد أنه إذا قسم بقسمين كيف ما كان فأحد القسمين يكون زوجًا والآخر فردًا، ومن خَاصِّيَّة كل عدد زوج أنه إذا قسم كيف ما كان فيكون كلا قسميه إما زوجًا وإما فردًا، وهذه صورتها:
.
واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن العدد ينقسم من جهة أخرى ثلاثة أنواع، إما تامًّا وإما زائدًا وإما ناقصًا، فالتام هو كل عدد إذا جُمعت أجزاؤه كانت الجملة مثله سواء مثل ستة وثمانية وعشرين وأربعمائة وستة وتسعين وثمانية آلاف ومائة وثمانية وعشرين، فإن كل واحد من هذه الأعداد إذا جُمعت أجزاؤُهُ كانت الجملة مثله سواء.
ولا يوجد من هذا العدد إلا في كل مرتبة من مراتب العدد واحد كالستة في الآحاد وثمانية وعشرين في العشرات وأربعمائة وستة وتسعين في المئات وثمانية آلاف ومائة وثمانية وعشرين في الألوف، وهذه صورتها: ٦ ٢٨ ٤٩٦ ٨١٢٨ وأما العدد الزائد فهو كل عدد إذا جمعت أجزاؤه كانت أكثر منه، مثل الاثني عشر والعشرين والستين وأمثالها من العدد، وذلك أن الاثني عشر نصفها ستة وثلثها أربعة وربعها ثلاثة وسدسها اثنان ونصف سدسها واحد، فجملة هذه الأجزاء ستة عشر، وهي أكثر من اثني عشر، وأما العددُ الناقص فهو كل عدد إذا جُمعت أجزاؤُهُ كانت أقل منه مثل أربعة وثمانية وعشرة وأمثالها من العدد، وذلك أن الثمانية نصفها أربعة وربعها اثنان وثمنها واحد وجملتها تكون سبعة، فهي أقل من الثمانية، وعلى هذا القياس حُكم سائر الأعداد الناقصة.
فصل
واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن العدد من جهة أخرى ينقسم قسمين؛ أحدهما يقال له: أعداد متحابة، وهي كل عددين أحدهما زائدٌ والآخر ناقص، وإذا جمعت أجزاء العدد الزائد كانت مساوية لجملة العدد الناقص، وإذا جمعت أجزاء العدد الناقص كانت مساوية لجملة العدد الزائد، مثال ذلك مائتان وعشرون وهو عدد زائد ومائتان وأربعة وثمانون وهو عدد ناقص، فإذا جمعت أجزاء مائتين وعشرين كانت مساوية لمائتين وأربعة وثمانين، وإذا جمعت أجزاء هذا العدد يكون جملتها مائتين وعشرين فهذه الأعداد وأمثالها تسمى «متحابة» وهي قليلة الوجود، وهذه صورتها:
.
واعلم يا أخي بأن من خَاصِّيَّة العدد أنه يقبل التضعيف والزيادة بلا نهاية، ويكون ذلك على خمسة أنواع: فمنها «على النظم الطبيعي» مثل هذا بالغًا ما بلغ: ١ ٢ ٣ ٤ ٥ ٦ ٧ ٨ ٩ ١٠ ١١ ١٢، ومنها «على نظم الأزواج» بالغًا ما بلغ مثل هذا ٢ ٤ ٦ ٨ ١٠ ١٢ ١٤، ومنها «على نظام الأفراد» بالغًا ما بلغ مثل هذا ١ ٣ ٥ ٧ ٩ ١١ ١٣ ١٥ ١٧، ومنها «بالطرح» كيفما اتفق كما يوجد في سائر الحساب، ومنها «بالضرب» كما نبين بعد.
فصل
واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن لكل نوع من هذه الأنواع عدة خواص، وقد ذكر ذلك في كتاب الأرثماطيقي بشرح طويل، ولكن نذكر منها طرفًا في هذا الفصل؛ فنقول:
إن من خَاصِّيَّة النظم الطبيعي أنه إذا جمع من واحد إلى حيث ما بلغ يكون المجموع مساويًا لضرب ذلك العدد الأخير بزيادة واحد عليه في نصفه، مثال ذلك إذا قيل: كم من واحد إلى عشرة مجموعًا على النظم الطبيعي؟ فقياسُهُ أن يُزاد على العشرة واحد ثم يضرب في نصف العشرة فيكون خمسة وخمسين، أو تضرب الخمسة في نفسها فيكون خمسة وعشرين ثم في النصف الآخر الذي هو ستة فيكون ثلاثين، الجملة خمسةٌ وخمسون وذلك بابه المطلوب وقياسه.
وأما نظم الأزواج فهو مثل واحد اثنين أربعة ستة ثمانية عشرة اثني عشر، وعلى هذا المثال بالغًا ما بلغ، ومن خَاصِّيَّة هذا النظم أن يكون المجموع أبدًا فردًا، ومن خاصيته أيضًا أنه إذا جمع على نظمه الطبيعي من واحد إلى حيث ما بلغ يكون المجموعُ مساويًا لضرب ذلك العدد في النصف الآخر بزيادة واحد ثم يُزاد على الجملة واحد؛ مثال ذلك إذا قيل لك: كم واحد إلى العشرة مجموعًا على نظم الأزواج؟ فقياسه أَنْ تأخذ نصف العشرة فتزيد عليه واحدًا، ثم تضربُهُ في النصف الآخر ثم تزيد على الجملة واحدًا فذلك أحدٌ وثلاثون، وعلى هذا القياس سائرُ الأعداد.
وأما نظم الأفراد فمثل واحد، ثلاثة، خمسة، سبعة، تسعة، أحد عشر، بالغًا ما بلغ، فمن خاصيته أنه إذا جُمع على نظمه الطبيعي يكونُ المجموعان الواحد زوج والآخر فرد، يتلو بعضها بعضًا، بالغًا ما بلغ، وتكون كلها مجذوراتٌ، ومن خاصيته أيضًا أنه إذا جمع على نظمه الطبيعي من واحد إلى حيث ما بلغ فإنَّ المجموع يكون مساويًا لضرب نصفه مجذورًا مجبورًا في نفسه، مثال ذلك إذا قيل: كم من واحد إلى أحد عشر؟ فبابُهُ أن تأخذ نصف العدد وهو خمسةٌ ونصفٌ فتجبره فيصير ستة فتضربه في نفسه فيكون ستة وثلاثين، وذلك بابه فَقِسْ عليه.
•••
واعلمْ يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن معنى الضرب هو تضعيفُ أحد العددين بقدر ما في الآخر من الآحاد، مثال ذلك إذا قيل: كم ثلاثة في أربعة، فمعناه: كم جملة ثلاثة أربع مرات؟
واعلمْ يا أخي بأن العدد نوعان صحيحٌ وكسور — كَمَا بَيَّنَّا قبل — فصار أيضًا ضرب العدد بعضه في بعض نوعين: مفرد ومركب، فالمفردُ ثلاثةُ أنواع: الصحيح في الصحيح مثل اثنين في ثلاثة وثلاثة في أربعة وما شاكله، ومنها الكسور في الكسور مثل نصف في ثلث وثلث في ربع وما شاكله، ومنها الصحيح في الكسور مثل اثنين في ثلث أو ثلث في أربعة ما شاكله، وأما المركب فهو أيضًا ثلاثةُ أنواع: فمنها الكسور والصحيح في الصحيح مثل اثنين وثلث في خمسة وما شاكلها، ومنها الصحيحُ والكسور في الصحيح والكسور مثل اثنين وثلث في ثلاثة وربع وما شاكلها، ومنها الصحيح والكسور في الكسور مثل اثنين وثلث في سبع.
فصل
واعلم يا أخي بأن ضرب العدد الصحيح على أربعة أنواع وجُملتها عشرة أبواب، وهي: آحاد وعشرات ومئات وألوف، فالآحاد في الآحاد واحدُها واحد وعَشرتها عشرة، والآحاد في العشرات واحدها عشرة وعشرتها مائة، والآحاد في المئات واحدها مائة وعشرتها ألف، والآحاد في الألوف وأحدها ألف وعشرتها عشرة آلاف، فهذه أربعةُ أبواب. وأما العشرات في العشرات فواحدُها مائة وعشرتها ألف، والعشرات في المئات واحدها ألف وعشرتها عشرة آلاف، والعشرات في الألوف واحدها عشرة آلاف وعشرتها مائة ألف. فهذه ثلاثة أبواب، وأما المئات في المئات فواحدها عشرة آلاف وعشرتها مائة ألف، والمئات في الألوف واحدها مائة ألف وعشرتها ألف ألف فهذان بابان، وأما الألوف في الألوف فواحدهما ألف ألف وعشرتها عشرة آلاف ألف، وهو باب واحد، فصار جملة الجميع عشرة أبواب، وهذه صورتها:
«آحاد في آحاد» «آحاد في عشرات» «آحاد في مئات» «آحاد في ألوف» «عشرات في عشرات» «عشرات في مئات» «عشرات في ألوف» «مئات في مئات» «مئات في ألوف» «ألوف في ألوف».
(٢) فصل في الضرب والجذر والمكعبات، وما يستعمله الجبريون والمهندسون من الألفاظ ومعانيها
فنقول:
كل عددين — أي عددين كانا — إذا ضُرب أحدُهُما في الآخر؛ فإن المجتمِع من ذلك يسمى عددًا مربعًا، فإن كان العددان متساويَين يسمى المجتمع من ضربيهما عددًا مربعًا مجذورًا أو العددان يسميان جذرَي ذلك العدد؛ مثال ذلك: إذا ضرب اثنان في اثنين يكون أربعة وثلاثة في ثلاثة تسعة وأربعة في أربعة ستة عشر فالأربعة والتسعة والستة عشر وأمثالها من العدد؛ يُسمى كل واحد منها مربعًا مجذورًا، والاثنان والثلاثة والأربعة يسمى جذرًا؛ لأن الاثنين هو جذر الأربعة والثلاثة جذر التسعة والأربعة جذر الستة عشر، وعلى هذا القياس يُعتبر سائر المربعات المجذورات وجذورها:
وكل عددين مختلفين — أي عددين كانا — إذا ضُرب أحدُهما في الآخر فإن المجتمِع من ذلك يسمى عددًا مربعًا غير مجذور والعددان المختلفان يسميان جزأين له ويسميان ضلعين لذلك المربع وهي من ألفاظ المهندسين، مثال ذلك اثنان في ثلاثة أو ثلاثة في أربعة أو أربعة في خمسة، وأشباه ذلك؛ فإن المجتمِع من مثل هذه الأعداد المضروبة بعضها في بعض تسمى مربعات غير مجذورات.
فصل
كل عدد مربع، كان مجذورًا أو غير مجذور، ضُرب في عدد آخر — أي عدد كان — فإن المجتمِع من ذلك يسمى عددًا مجسمًا مكعبًا فإن كان العدد المربع مجذورًا وضرب في جذره يسمى المجتمع من ذلك عددًا مجسمًا مكعبًا؛ مثال ذلك أربعة، فإنه عددٌ مربع مجذورٌ ضرب في الاثنين الذي هو جذرها فخرج منه ثمانية وكذلك أيضًا التسعةُ وهو أيضًا عدد مربع مجذور ضرب في الثلاثة الذي هو جذرها كانت منه سبعة وعشرون، وكذلك الستة عشر فإنه عددٌ مجذورٌ ضُرب في الأربعة التي هي جذرها فخرج منه أربعة وستون فالثمانية والسبعة والعشرون وأربعة وستون وأمثالها من الأعداد تسمى أعدادًا مجسَّمة مكعبة، والمكعب جسمٌ طولُهُ وعرضه وعمقه متساوية وله ستةُ سطوح مربعات متساوية الأضلاع قائمة الزوايا وله اثنا عشر ضلعًا متوازية وثماني زوايا مجسمة وأربع وعشرون زاوية مسطحة.
وإن ضرب العدد المربع المجذور في عدد أَقَل من جذره يسمى المجتمع من ضربه عددًا مجسمًا لبنيًّا، والجسم اللبني هو الذي طوله وعرضه متساويان وسمكه أقل منهما وله ستة سطوح مربعات متوازي الأضلاع، قائم الزوايا، لكن له سطحين متقابلين مربعين متساويي الأضلاع، قائمي الزوايا، وله أربعة سطوح مستطيلات وله اثنا عشر ضلعًا كل اثنين منها متوازيان وثماني زوايا مجسمة وأربع وعشرون زاوية مسطحة، وإن ضرب المربع المجذور في أكثرَ من جذره يسمى المجتمع منه عددًا مجسمًا بيريًّا؛ مثال ذلك أربعة فإنه عدد مجذور ضرب في الثلاثة التي هي أكثر من جذرها فكان منه اثنا عشر وكذلك التسعة إذا ضربت في أربعة التي هي أكثر من جذرها خرج منها ستةٌ وثلاثون.
فالاثنا عشر والستة والثلاثون وأمثالها من العدد يسمى مجسمًا بيريًّا و«المجسم البيري» هو الذي سمكه أكثر من طوله وعرضه، وله ستة سطوح مربعات اثنان منها مربعان متقابلان متساويا الأضلاع قائما الزوايا وأربعة منها مستطيلة متوازية الأضلاع قائمة الزوايا، وله اثنا عشر ضلعًا كل اثنين منها متوازيان متساويان، وله ثماني زوايا مجسمة وأربع وعشرون زاوية مسطحة، وكل عدد مربع غير مجذور ضرب في ضلعه الأصغر فإن المجتمع منه يسمى مجسمًا لبنيًّا، وإن ضرب في ضلعه الأطول فإن المجتمع منه يسمى مجسمًا بيريًّا، وإن ضرب في عدد أقل منهما أو أكثر فإن المجتمع منه يسمى «مجسمًا لوحيًّا».
مثال ذلك الاثنا عشر فإنه عدد مربع غير مجذور واحد ضلعيه ثلاثة والآخر أربعة، فإن ضرب اثنا عشر في ثلاثة خرج منه ستة وثلاثون، وهو مجسم لبني، وإن ضرب في أربعة خرج منه ثمانية وأربعون وهو مجسم بيري، وإن ضرب في أقل من الثلاثة أو أكثر من الأربعة يسمى مجسمًا لوحيًّا، والمجسم اللوحي هو الذي طوله أكثر من عرضه وعرضه أكثر من سمكه وله ستة سطوح كل اثنين منها متساويان متوازيان وله اثنا عشر ضلعًا كل اثنين منها متوازيان وثماني زوايا مجسمة وأربع وعشرون زاوية مسطحة.
فصل
في خواص العدد المجذور، فنقول: وكل عدد مجذور إذا زِيد عليه جذراه وواحد كان المجتمعُ من ذلك مجذورًا، وكل عدد مجذور إذا انتقص منه جذراه إلا واحدًا يكون الباقي مجذورًا، وكل عددين مجذورَين على الولاء إذا ضرب جذر أحدهما في جذر الآخر وزِيد عليه ربع يكون الجملة مجذورًا؛ مثال ذلك: جذر أربعة وهو اثنان في جذر تسعة وهو ثلاثة، فيكون ستةٌ وزيد عليه ربع يكون ستة وربعًا جذرها اثنان ونصف، فإذا ضرب الاثنان والنصف في مثله كان ستة وربعًا جذرها اثنان ونصف وكل عددين مجذورين على الولاء إذا ضرب جذرُ أحدهما في جذر الآخر يخرج بينهما عدد وسط وتكون ثلاثتها في نسبة واحدة؛ مثال ذلك: أربعة وتسعة فإنهما عددان مجذوران وجذراهما اثنان وثلاثة واثنان في ثلاثة ستة فنسبة الأربعة إلى الستة كنسبة الستة إلى التسعة، وعلى هذا القياس يعتبر سائرُها.
(٣) فصل في مسائلَ من المقالة الثانية من كتاب إقليدس في الأُصُول
كل عددَين قسم أحدهما بأقسامٍ كم كانت فإن ضرب أحدهما في الآخر مساوٍ لضرب الذي لم يقسم في جميع أقسام العدد المقسوم قسمًا قسمًا، مثال ذلك عشرة وخمسة عشر وقسم الخمسة عشر ثلاثة أقسام سبعة وثلاثة وخمسة، فنقول «أ» إن ضرب العشرة في خمسة عشر مساوٍ لضرب العشرة في سبعة وفي ثلاثة وفي خمسة «ب» كل عدد قسم بأقسام كم كانت فإن ضرب ذلك العدد في مثله مساوٍ لضربه في جميع أقسامه؛ مثال ذلك عشرة قسمت بقسمين سبعة وثلاثة فأقول: إن ضرب العشرة في نفسها مساوٍ لضربها في سبعة وفي ثلاثة «ج» كل عدد قسم بقسمين فنقول: إن ضرب ذلك العدد في أحد قسميه مساوٍ لضرب ذلك القسم في نفسه، وفي القسم الآخر، مثال ذلك عشرةٌ قسمت بقسمين ثلاثة وسبعةٌ فأقول: إن ضرب العشرة في سبعة مساوٍ لضرب سبعةٍ في نفسها وثلاثة في سبعة، «د» كل عدد قسم قسمين فأقول: إن ضرب ذلك العدد في نفسه مساوٍ لضرب كل قسم في نفسه وأحدهما في الآخر مرتين؛ مثال ذلك عشرة قسمت قسمين سبعة وثلاثة فأقول: إن ضرب العشرة في نفسها مساوٍ لضرب سبعة في نفسها وثلاثة في نفسها وسبعة في ثلاثة مرتين، «ﻫ» كل عدد قسم بنصفين ثم بقسمين مختلفين فإن ضرب أحد المختلفين في الآخر وضرب التفاوُت في نفسه مساوٍ لضرب نصف ذلك العدد في نفسه.
مثاله عشرة قسمت بنصفين ثم بقسمين مختلفين ثلاثة وسبعة، فنقول: إن ضرب السبعة في ثلاثة والتفاوت في نفسها وهو اثنان مجموعًا مساوٍ لضرب الخمسة في نفسها، «و» كل عدد قسم بنصفين ثم يزاد فيه زيادة ما فأقول: إن ضرب ذلك العدد مع الزيادة في تلك الزيادة ونصف العدد في نفسه مجموعًا يكون مساويًا لضرب نصف ذلك العدد مع الزيادة في نفسه، مثاله عشرة قسمت بنصفين ثم زيد عليه اثنان فنقول: إن ضرب الاثني عشر في اثنين وخمسة في نفسها مجموعًا مساوٍ لضرب الاثنين وخمسة مجموعًا في نفسه، «ز» كل عدد قسم بقسمين فأقول: إن ضرب ذلك العدد في نفسه وضرب أحد القسمين في نفسه مجموعًا مساوٍ لضرب ذلك العدد في ذلك القسم مرتين، وضرب القسم الآخر في نفسه مجموعًا مثاله عشرة قسمت بقسمين سبعة وثلاثة فأقول: إن ضرب العشرة في نفسها وسبعة في نفسها مجموعًا مساوٍ لضرب العشرة في سبعة مرتين وثلاثة في نفسها مجموعًا، «ح» كل عدد قسم بقسمين ثم زِيد عليه مثل أحد القسمين فنقول: إن الذي يكون من ضرب جميع ذلك في نفسه مساوٍ لضرب ذلك العدد قبل الزيادة في تلك الزيادة أربع مرات والقسم الآخر في نفسه.
مثاله عشرةٌ قُسمت بقسمين سبعة وثلاثة، ثم زيدت عليه ثلاثة فنقول: إن ضرب الثلاثة عشر في نفسه مساوٍ لضرب عشرة في ثلاثة أربع مرات وضرب سبعة في نفسه مرة واحدة، «ط» كل عدد قسم بنصفين ثم بقسمين مختلفين فإن الذي يكون من ضرب القسمين المختلفين كل واحد منهما في نفسه مجموعًا مثلًا ما يكون من ضرب نصف ذلك في نفسه وضرب التفاوُت ما بين العددين في نفسه مجموعًا؛ مثال ذلك عشرةٌ قسمت بنصفين، ثم بقسمين مختلفين ثلاثة وسبعة فأقول: إن الذي يكون من ضرب سبعة في نفسها وثلاثة في نفسها مجموعًا مثلًا ما يكون من ضرب الخمسة في نفسها ومن ضرب الاثنين الذي هو التفاوُت ما بين القسمين في نفسه مجموعًا، «ي» كل عدد قسم بنصفين ثم زِيد فيه زيادة ما فإن الذي يكون من ضرب ذلك العدد مع الزيادة في نفسه وضرب الزيادة في نفسها مجموعًا مثلًا ما يكون من ضرب نصف العدد مع الزيادة في نفسه وضرب نصف العدد في نفسه.
مثال ذلك عشرةٌ قُسمت بنصفين ثم زِيد عليها اثنان فأقول: إن ضرب الاثنَي عشر في نفسه والاثنين في نفسه مجموعًا مثلًا ما يكون من ضرب سبعةٍ في نفسها وخمسة في نفسها مجموعًا.
فصل
واعلمْ أيها الأخ البار الرحيم، أيدك الله وإيانا بروح منه، أنه إنما قدم الحكماءُ النظر في علم العدد قبل النظر في سائر العلوم الرياضية؛ لأن هذا العلم مركوز في كل نفس بالقوة، وإنما يحتاج الإنسان إلى التأمل بالقوة الفكرية حسب، من غير أن يأخذ لها مثالًا من علم آخر بل منه يؤخذ المثال على معلوم، وأما ما أشرنا إليه من المثالات التي بالخطوط في هذه الرسالة فإنما تلك للمتعلمين المبتدئين الذين قوةُ أفكارهم ضعيفة، فأما مَن كان منهم فهيمًا ذكيًّا فغيرُ محتاج إليها.
واعلم أيها الأخ البار الرحيم، أيدك الله وإيانا بروح منه، أن أحد أغراضنا من هذه الرسالة ما قد بيَّنا في أولها، وأما الغرض الآخر فهو التنبيهُ على «علم النفس» والحث على معرفة جوهرها، وذلك أن العاقل الذهين إذا نظر في علم العدد، وتفكر في كمية أجناسه وتقاسيمِ أنواعه وخواص تلك الأنواع؛ علم أنها كلها أعراض وجودها وقوامها بالنفس فالنفسُ إذن جوهر؛ لأن العرض لا يكون له قوام إلا بالجوهر ولا يوجد إلا فيه.
•••
واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن غرض الفلاسفة الحكماء من النظر في العلوم الرياضية وتخريجهم تلامذتهم بها إنما هو السلوك والتطرق منها إلى علوم الطبيعيات، وأما غرضُهُم في النظر في الطبيعيات فهو الصعود منها والترقي إلى العلوم الإلهية الذي هو أقصى غرض الحكماء والنهاية التي إليها يرتقي بالمعارف الحقيقية، ولما كان أول درجة من النظر في العلوم الإلهية هو معرفةُ جوهر النفس والبحث عن مبدئها من أين كانت قبل تعلُّقها بالجسد والفحص عن معادها إلى أين تكون بعد فراق الجسد الذي يسمى الموت وعن كيفية ثواب المحسنين كيف يكون في عالم الأرواح وعن جزاء المسيئين كيف يكون في دار الآخرة.
وخصلة أُخرى أيضًا لما كان الإنسانُ مندوبًا إلى معرفة ربه ولم يكن له طريق إلى معرفته إلا بعد معرفة نفسه، كما قال الله تعالى: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ؛ أي جهل النفس وكما قيل: من عرف نفسه فقد عرف ربه، وقد قيل أيضًا: أعرفُكم بنفسه أعرفُكم بربه؛ وجب على كل عاقل طلب علم النفس ومعرفة جوهرها وتهذيبها، وقد قال الله تعالى: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا، وقال الله تعالى — حكاية عن امرأة العزيز في قصة يوسف عليه السلام: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي، وقال تعالى: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى، وقال تعالى: يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا، وقال تعالى: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً، وقال تعالى: اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا، وآيات كثيرة في القرآن ودلالات على وجود النفس وعلى تصرف حالاتها وهي حجة على الجرميين المنكرين أمر النفس ووجدانها.
وأما أولئك الحكماء الذين كانوا يتكلمون في علم النفس قبل نزول القرآن والإنجيل والتوراة، فإنهم لما بحثوا عن علم النفس بقرائح قلوبهم واستخرجوا معرفة جوهرها بنتائج عُقُولهم؛ دعاهم ذلك إلى تصنيف الكُتُب الفلسفية التي تقدم ذكرُها في أول هذه الرسالة، ولكنهم لما طولوا الخطب فيها ونقلها مِن لغة إلى لغة مَن لم يكن فهم معانيها ولا عرف أغراض مؤلفيها؛ انغلق على الناظرين في تلك الكتب فهمُ معانيها وثقلت على الباحثين أغراض مصنفيها، ونحن قد أخذنا لب معانيها وأقصى أغراض واضعيها وأوردناها بأوجز ما يمكن من الاختصار في اثنتين وخمسين رسالة؛ أولها هذه ثم يتلوها أخواتُها على الولاء كترتيب العدد تجدها — إن شاء الله تعالى.
(تمت الرسالة والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على رسوله محمد النبي وآله الطاهرين وسلم تسليمًا.)
في العدد
الْحَمْدُ لِلهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى
اعلم أيها الأخ البار الرحيم بأنه لما كان من مذهب إخواننا الكرام — أيَّدهم الله — النظر في جميع علوم الموجودات التي في العالم من الجواهر والأعراض والبسائط والمجردات والمفردات والمركبات، والبحث عن مبادئها وعن كمية أجناسها وأنواعها وخواصها، وعن ترتيبها ونظامها على ما هي عليه الآن، وعن كيفية حدوثها ونشوئها عن علة واحدة ومبدأ واحد من مبدع واحد جل جلاله، ويستشهدون على بيانها بمثالات عددية وبراهين هندسية مثل ما كان يفعله الحكماء الفيثاغوريون؛ احتجنا أن نقدم هذه الرسالة قبل رسائلنا كلها، ونذكر فيها طرفًا من علم العدد وخواصه التي تُسمى «الأرثماطيقي» شبه المدخل والمقدمات؛ لكيما يسهل الطريق على المتعلمين إلى طلب الحكمة التي تُسمى الفلسفة، ويقرب تناولها للمبتدئين بالنظر في العلوم الرياضية، فنقول:
الفلسفة أولها محبة العلوم، وأوسطها معرفة حقائق الموجودات بحسب الطاقة الإنسانية، وآخرها القول والعمل بما يوافق العلم. والعلوم الفلسفية أربعة أنواع: أولها الرياضيات، والثاني المنطقيات، والثالث العلوم الطبيعيات، والرابع العلوم الإلهيات، فالرياضيات أربعة أنواع: أولها الأرثماطيقي، والثاني الجومطريا، والثالث الأسطرنوميا، والرابع الموسيقى، فالموسيقى هو معرفة تأليف الأصوات وبه استخراج أُصُول الألحان، والأسطرنوميا هو علم النجوم بالبراهين التي ذُكرت في كتاب المجسطي، والجومطريا هو علم الهندسة بالبراهين التي ذُكرت في كتاب إقليدس، والأرثماطيقي هو معرفة خواص العدد وما يطابقها من معاني الموجودات التي ذكرها فيثاغورس ونيقوماخس، فأول ما يُبتدأ بالنظر به في هذه العلوم الفلسفية الرياضيات، وأول الرياضيات معرفة خواص العدد؛ لأنه أقرب العلوم تناولًا، ثم الهندسة ثم التأليف ثم التنجيم ثم المنطقيات ثم الطبيعيات ثم الإلهيات، وهذا أول ما نقول في علم العدد شبه المدخل والمقدمات:
الألفاظ تدل على المعاني والمعاني هي المسميات، والألفاظ هي الأسماء، وأعم الألفاظ والأسماء قولنا: «الشيء»، والشيء إما أن يكون واحدًا أو أكثر من واحد، فالواحد يُقال على الوجهين إما بالحقيقة وإما بالمجاز، فالواحد بالحقيقة هو الشيء الذي لا جزء له البتة ولا ينقسم، وكل ما لا ينقسم فهو واحد من تلك الجهة التي بها لا ينقسم، وإن شئت قلتَ الواحد ما ليس فيه غيره بما هو واحد، وأما الواحد بالمجاز فهو كل جملة يُقال لها واحد كما يُقال عشرة واحدة ومائة واحدة وألف واحد. والواحد واحد بالوحدة، كما أن الأسود أسود بالسواد، والوحدة صفة للواحد كما أن السواد صفة للأسود. وأما الكثرة فهي جملة لآحاد، وأول الكثرة الاثنان ثم الثلاثة ثم الأربعة ثم الخمسة، وما زاد على ذلك بالغًا ما بلغ. والكثرة نوعان: إما عدد وإما معدود، والفرق بينهما أن العدد إنما هو كمية صور الأشياء في نفس العادِّ، وأما المعدودات فهي الأشياء نفسها، وأما الحساب فهو جمع العدد وتفريقه. والعدد نوعان: صحيح وكسور، والواحد الذي قبل الاثنين هو أصل العدد ومبدأه، ومنه ينشأ العدد كله، صحيحه وكسوره، وإليه ينحل راجعًا، أما نشوء الصحيح فبالتزايد، وأما الكسور فبالتجزؤ، والمثال في ذلك ما أقول في نشوء الصحيح إنه إذا أُضيف إلى الواحد واحد آخر يُقال عند ذلك إنهما اثنان، وإذا أُضيف إليهما واحد آخر يُقال لتلك الجملة ثلاثة، وإذا أُضيف إليها واحد آخر يُقال لها أربعة، وإذا أُضيف إليها واحد يُقال لها خمسة، وعلى هذا القياس نشوء العدد الصحيح بالتزايد واحدًا واحدًا بالغًا ما بلغ، وهذه صورتها: «١ ٢ ٣ ٤ ٥ ٦ ٧ ٨ ٩».
وأما تحليل العدد إلى الواحد فعلى هذا المثال الذي أقول إنه إذا أُخذ من العشرة واحد تبقى تسعة، وإذا أُلقي من التسعة واحد تبقى ثمانية، وإذا أُسقط من الثمانية واحد تبقى سبعة، وعلى هذا القياس يُلقى واحد واحد حتى يبقى واحد، فالواحد لا يمكن أن يُلقى منه شيء؛ لأنه لا جزء له البتة، فقد تبين كيف ينشأ العدد الصحيح من الواحد وكيف ينحل إليه، وأما نشوء العدد الكسور من الواحد فعلى هذا المثال الذي أقول إنه إذا رُتب العدد الصحيح على نظمه الطبيعي الذي هو واحد اثنان ثلاثة أربعة خمسة ستة سبعة ثمانية تسعة عشرة، ثم أُشير إلى الواحد من كل جملة فإنه يتبين كيف يكون نشوءه من الواحد، وذلك أنه إذا أُشير إلى الواحد من الاثنين يُقال للواحد عند ذلك نصف، وإذا أُشير إلى الواحد من جمله الثلاثة فيُقال له الثلث، وإذا أُشير إليه من جملة الأربعة يُقال له الربع، وإذا أُشير إليه من جمله الخمسة يُقال له الخمس، وكذلك السدس والسبع والثمن والتسع والعشر، وأيضًا إذا أُشير إلى الواحد من جملة الإحدى عشر فيُقال له: جزء من أحد عشر ومن اثني عشر نصف السدس ومن ثلاثة عشر جزءًا من ثلاثة عشر ومن أربعة عشر نصف السبع وخمسة عشر ثلث الخمس، وعلى هذا المثال يعتبر سائر الكسور، فقد تبيَّن كيف يكون نشوء العدد من الواحد الصحيح منها والكسور جميعًا، وكيف هو أصل لهما جميعًا، وهذه صورتها:
.
ب | ج | د | ﻫ | و | ز | ح |
نصف | ثلث | ربع | خمس | سدس | سبع | ثمن |
ط | ي | يا | يب | يج | يد | يه |
تسع | عشر | جزء من ١١ | نصف السدس | جزء من ١٣ | نصف السبع | ثلث الخمس |
واعلم يا أخي بأن العدد الصحيح رُتب أربع مراتب: آحاد وعشرات ومئات وألوف، فالآحاد من واحد إلى تسعة، والعشرات من عشرة إلى تسعين، والمئات من مائة إلى تسعمائة والألوف من ألف إلى تسعة آلاف، ويشتملها كلها اثنتا عشرة لفظة بسيطة، وذلك من واحد إلى عشرةٍ عشرةُ ألفاظ، ولفظةُ مائة ولفظة ألف فصار الجميع اثنتي عشرة لفظة بسيطة، وأما سائر الألفاظ فمشتقة منها أو مركبة أو مكررة، فالمكررة كالعشرين من العشرة، والثلاثين من الثلاثة، والأربعين من الأربعة، وأمثال ذلك، وأما المركبة كالمائتين وثلاثمائة وأربعمائة وخمسمائة فإنها مركبة من لفظة المائة مع سائر الآحاد، وكذلك ألفان وثلاثة آلاف وأربعة آلاف، فإنها مركبة من لفظة الألف مع سائر الألفاظ من الآحاد والعشرات والمئات، كما يُقال خمسة آلاف وسبعة آلاف وعشرون ألفًا ومائة ألف وسائر ذلك، وهذه صورتها:
.
أ | ب | ج | د | ﻫ | و | ز | ح | ط | ي |
١ | ٢ | ٣ | ٤ | ٥ | ٦ | ٧ | ٨ | ٩ | ١٠ |
ك | ل | م | ن | س | ع | ف | ص | ||
٢٠ | ٣٠ | ٤٠ | ٥٠ | ٦٠ | ٧٠ | ٨٠ | ٩٠ | ||
ق | ر | ش | ت | ث | خ | ذ | ض | ظ | |
١٠٠ | ٢٠٠ | ٣٠٠ | ٤٠٠ | ٥٠٠ | ٦٠٠ | ٧٠٠ | ٨٠٠ | ٩٠٠ | |
غ | بغ | جغ | دغ | هغ | وغ | زغ | حغ | طغ | يغ |
١٠٠٠ | ٢٠٠٠ | ٣٠٠٠ | ٤٠٠٠ | ٥٠٠٠ | ٦٠٠٠ | ٧٠٠٠ | ٨٠٠٠ | ٩٠٠٠ | ١٠٠٠٠ |
كغ | لغ | مغ | نع | سغ | عغ | فغ | صغ | قغ | |
٢٠٠٠٠ | ٣٠٠٠٠ | ٤٠٠٠٠ | ٥٠٠٠٠ | ٦٠٠٠٠ | ٧٠٠٠٠ | ٨٠٠٠٠ | ٩٠٠٠٠ | ١٠٠٠٠٠ | |
رغ | شغ | تغ | ثغ | خغ | ذغ | ضغ | ظغ | ||
٢٠٠٠٠٠ | ٣٠٠٠٠٠ | ٤٠٠٠٠٠ | ٥٠٠٠٠٠ | ٦٠٠٠٠٠ | ٧٠٠٠٠٠ | ٨٠٠٠٠٠ | ٩٠٠٠٠٠ |
وأما العشرات فهي «ك ل م ن س ع ف ص»،
وأما المئات فهي «ق ر ش ت ث خ ذ ض ظ»،
وأما الألوف فهي «غ بغ، جغ، دغ، هغ، وغ، زغ، حغ، طغ، يغ».
واعلم بأن كون العدد على أربع مراتب، التي هي الآحاد والعشرات والمئات والألوف ليس هو أمرًا ضروريًّا لازمًا لطبيعة العدد مثل كونه أزواجًا وأفرادًا صحيحًا وكسورًا بعضها تحت بعض، لكنه أمر وضعي رتبته الحكماء باختيار منهم؛ وإنما فعلوا ذلك لتكون الأمور العددية مطابقة لمراتب الأُمُور الطبيعية، وذلك أن الأُمُور الطبيعية أكثرها جعلها الباري — جَلَّ ثناؤُهُ — مربعات مثل الطبائع الأربع التي هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، ومثل الأركان الأربعة التي هي النار والهواء والماء والأرض، ومثل الأخلاط الأربعة التي هي الدم والبلغم، والمرتان المرة الصفراء والمرة السوداء، ومثل الأزمان الأربعة التي هي الربيع والصيف والخريف والشتاء، ومثل الجهات الأربع، والرياح الأربع: الصبا والدبور والجنوب والشمال، والأوتاد الأربع: الطالع والغارب ووتد السماء ووتد الأرض، والمكونات الأربع التي هي المعادن والنبات والحيوان والإنس، وعلى هذا المثال وجد أكثر الأُمُور الطبيعية مربعات.
واعلم بأن هذه الأُمُور الطبيعية إنما صارت أكثرها مربعات بعناية الباري — جل ثناؤه — واقتضاء حكمته لتكون مراتب الأُمُور الطبيعية مطابقة للأمور الروحانية التي هي فوق الأُمُور الطبيعية، وهي التي ليست بأجسام، وذلك أن الأشياء التي فوق الطبيعية على أربع مراتب؛ أولها الباري — جَلَّ جلالُهُ — ثم دونه العقل الكلي الفعال، ثم دونه النفس الكلية، ثم دونه الهيولى الأولى، وكل هذه ليست بأجسام.
واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن نسبة الباري — جَلَّ ثناؤُهُ — من الموجودات كنسبة الواحد من العدد، ونسبة العقل منها كنسبة الاثنين من العدد، ونسبة النفس من الموجودات كنسبة الثلاثة من العدد، ونسبة الهيولى الأولى كنسبة الأربعة.
واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن العدد كله آحاده وعشراتُهُ ومئاته وألوفه أو ما زاد بالغًا ما بلغ؛ فأصلها من الواحد إلى الأربعة، وهي هذه «١ ٢ ٣ ٤»، وذلك أن سائر الأعداد كلها من هذه يتركب ومنها ينشأ وهي أصل فيها كلها.
بيان ذلك أنه إذا أُضيفَ واحدٌ إلى أربعة كانت خمسة، وإن أُضيف اثنان إلى أربعة كانت ستة، وإن أضيف ثلاثة إلى أربعة كانت سبعة، وإن أضيف واحدٌ وثلاثةٌ إلى أربعة كانت ثمانية، وإن أضيف اثنان وثلاثة إلى أربعة كانت تسعة، وإن أضيف واحد واثنان وثلاثة إلى أربعة كانت عشرة. وعلى هذا المثل حُكم سائر الأعداد من العشرات والمئات والألوف وما زاد بالغًا ما بلغ.
وكذلك أُصُول الخط أربعةٌ، وسائر الحروف منها يتركب، والكلامُ من الحروف يتركب — كما بَيَّنَّا فيما بعد — فاعتبرها، فإنك تجد ما قلنا حقًّا صحيحًا، ومن يُريد أن يعرف كيف اخترع الباري — جَلَّ ثناؤُهُ — الأشياء في العقل وكيف أَوْجَدَها في النفس وكيف صورها في الهيولى فليعتبر ما ذكرنا في هذا الفصل.
واعلمْ يا أخي أن الباري — جل ثناؤُهُ — أول شيء اخترعه وأبدعه من نور وحدانيته جوهرٌ بسيطٌ يُقال له: العقل الفعال كما أنشأ الاثنين من الواحد بالتكرار، ثم أنشأ النفس الكلية الفلكية من نور العقل، كما أنشأ الثلاثة بزيادة الواحد على الاثنين، ثم أنشأ الهيولى الأولى من حركة النفس كما أنشأ الأربعة بزيادة الواحد على الثلاثة، ثم أنشأ سائر الخلائق من الهيولى ورتبها بتوسُّط العقل والنفس كما أنشأ سائر العدد من الأربعة بإضافة ما قبلها إليها — كَمَا مَثَّلْنا قبل.
واعلم يا أخي، أيدك الله بروح منه، بأنك إذا تأملت ما ذكرنا من تركيب العدد من الواحد الذي قبل الاثنين ونشوئه منه؛ وجدته مِن أَدَلِّ الدليل على وحدانية الباري — جَلَّ ثناؤُهُ — وكيفية اختراعه الأشياء وإبداعه لها؛ وذلك أن الواحد الذي قبل الاثنين وإن كان منه يتصور وجود العدد وتركيبة — كَمَا بَيَّنَّا قبل — فهو لم يتغير عما كان عليه ولم يتجزأ.
كذلك الله — عز وجل — وإن كان هو الذي اخترع الأشياء من نور وحدانيته وأبدعها وأنشأها وبه قوامُها وبقاؤها وتمامها وكمالها فهو لم يتغيرْ عما كان عليه من الوحدانية قبل اختراعه وإبداعه لها — كَمَا بَيَّنَّا في رسالة المبادئ العقلية — فقد أنبأناك بما ذكرنا من أن نسبة الباري — جَلَّ ثناؤُهُ — من الموجودات كنسبة الواحد من العدد، وكما أن الواحد أصل العدد ومنشأه وأوله وآخره؛ كذلك الله — عز وجل — هو علة الأشياء وخالقها وأولها وآخرها.
وكما أن الواحد لا جزء له ولا مثل له في العدد، فكذلك الله — جَلَّ ثناؤُهُ — لا مثل له في خلقه ولا شبه، وكما أن الواحد محيطٌ بالعدد كله، ويعده كذلك الله — جَلَّ جلالُهُ — عالم بالأشياء وماهياتها تعالى الله عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا.
واعلم يا أخي بأن مراتب العدد عند أكثر الأمم على أربع مراتب كما تقدم ذكرها، وأما عند الفيثاغوريين فعلى ستة عشر مرتبة، وهذه صورتها:
.
آحاد | ١ |
عشرات | ١٠ |
مئات | ١٠٠ |
ألوف | ١٠٠٠ |
ربوات عشرات ألوف | ١٠٠٠٠ |
نوعات مئات ألوف | ١٠٠٠٠٠ |
غايات ألوف ألوف | ١٠٠٠٠٠٠ |
سورات عشرات ألوف ألوف | ١٠٠٠٠٠٠٠ |
حلبات مئات ألوف ألوف | ١٠٠٠٠٠٠٠٠ |
ألبطات ألوف ألوف ألوف | ١٠٠٠٠٠٠٠٠٠ |
هنيات عشرات ألوف ألوف ألوف | ١٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠ |
دعورات مئات ألوف ألوف ألوف | ١٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠ |
وهوات ألوف ألوف ألوف ألوف | ١٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠ |
مجوات عشرات ألوف ألوف ألوف ألوف | ١٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠ |
ومور مئات ألوف ألوف ألوف ألوف | ١٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠ |
مارو ألوف ألوف ألوف ألوف ألوف | ١٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠ |
واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن العدد الكسور مراتبه كثيرة؛ لأنه ما من عدد صحيح إلا وله جُزء أو جزآن أو عدة أجزاء كالاثني عشر، فإن له نصفًا وثلثًا وربعًا وسدسًا ونصف سدس، وكذلك الثمانية وعشرون وغيرهما من الأعداد، إلا أن العدد الكسور وإن كثرت مراتبه وأجزاؤه فهي مرتَّبة بعضها تحت بعض، ويشملها كلها عشرة ألفاظ، لفظة منها عامة مبهمة وتسعة مخصوصة مفهومة ومن التسعة الألفاظ لفظة موضوعة، وهي النصف.
وثمانية مشتقة وهي: الثلث من الثلاثة والربع من الأربعة والخمس من الخمسة والسدس من الستة والسبع من السبعة والثمن من الثمانية والتسع من التسعة والعشر من العشرة، وأما اللفظة العامة المبهمة فهي الجزء؛ لأن الواحد من أحد عشر يقال له: جزء من أحد عشر وكذلك من ثلاثة عشر ومن سبعة عشر وما شاكل ذلك.
وأما باقي الألفاظ الكسور فمضافةٌ إلى هذه العشرة الألفاظ كما يقال لواحد من اثني عشر: نصف السدس، ولواحد من خمسة عشر: خمس الثلث، ولواحد من عشرين: نصف العشر، وعلى هذا المثال يتبين سائر معاني الكسور بإضافة بعضها لبعض.
واعلم بأن نوعي العدد يذهبان في الكثرة بلا نهاية، غير أن العدد الصحيح يَبتدئ من أقل الكمية وهو الاثنان ويذهب في التزايد بلا نهاية، وأما الكسور فيبتدئ من أكثر الكمية وهو النصف ويمر في التجزؤ بلا نهاية، فكلاهما من حيث الابتداء ذو نهاية، ومن حيث الانتهاء غير ذي نهاية.
(١) فصل في خواص العدد
ثم اعلم أن ما من عدد إلا وله خَاصِّيَّة أو عدة خواص، ومعنى الخَاصِّيَّة أنها الصفة المخصوصة للموصوف الذي لا يشركه فيها غيره، فخَاصِّيَّة الواحد أنه أصل العدد ومنشأه — كما بينا قبل — وهو يعد العدد كله الأزواج والأفراد جميعًا، ومن خَاصِّيَّة الاثنين أنه أول العدد مطلقًا وهو يعد نصف العدد الأزواج دون الأفراد، ومن خَاصِّيَّة الثلاثة أنها أول عدد الأفراد، وهي تعد ثلث الأعداد تارة الأفراد وتارة الأزواج، ومن خَاصِّيَّة الأربعة أنها أول عدد مجذور، ومن خَاصِّيَّة الخمسة أنها أول عدد دائر، ويقال: كري، ومن خاصية الستة أنها أول عدد تام، ومن خَاصِّيَّة السبعة أنها أول عدد كامل، ومن خَاصِّيَّة الثمانية أنها أول عدد مكعب، ومن خَاصِّيَّة التسعة أنها أول عدد فرد مجذور وأنها آخر مرتبة الآحاد. ومن خَاصِّيَّة العشرة أنها أول مرتبة العشرات، ومن خَاصِّيَّة الأحد عشر أنها أول عدد أصم، ومن خَاصِّيَّة الاثني عشر أنها أول عدد زائد.
وبالجملة: إن من خَاصِّيَّة كل عدد أنه نصف حاشيتيه مجموعتين وإذا جُمعت حاشيتاه تكونان مثله مرتين، ومثال ذلك خمسة فإن إحدى حاشيتيها أربعة والأُخرى ستة ومجموعهما عشرة وخمسة نصفها، وعلى هذا القياس يوجد سائر الأعداد إذا اعتبر، وهذه صورتها:
١ ٢ ٣ ٤ — ٥ — ٦ ٧ ٨ ٩
وأما الواحد فليس له إلا حاشية واحدة وهي الاثنان والواحد نصفها وهي مثله مرتين، وأما قولنا: إن الواحد أصل العدد ومنشأه فهو أن الواحد إذا رفعته من الوجود ارتفع العدد بارتفاعه، وإذا رفعت العدد من الوجود لم يرتفع الواحد، وأما قولنا: إن الاثنين أول العدد مطلقًا فهو أن العدد كثرة الآحاد وأول الكثرة اثنان، وأما قولنا: إن الثلاثة أول الأفراد فهي كذلك؛ لأن الاثنين أول العدد وهو الزوج، ويليه ثلاثةٌ، وهي فرد، وأما قولنا: إنها تُعَدُّ ثلث العدد تارة الأفراد وتارة الأزواج فلأنها تتخطى العددين وتعد الثالث منهما، وذلك الثالث يكون تارة زوجًا وتارة فردًا، وأما قولنا: إن الأربعة أول عدد مجذور فلأنها من ضرب الاثنين في نفسه وكل عدد إذا ضُرب في نفسه يَصير جذرًا والمجتمع من ذلك مجذورًا.
وأما ما قيل من أن الخمسة أول عدد دائر فمعناه أنها إذا ضربت في نفسها رجعت إلى ذاتها، وإن ضرب ذلك العدد المجتمع من ضربها في نفسها رجع إلى ذاته أيضًا، وهكذا دائمًا؛ مثال ذلك خمسة في خمسة خمسة وعشرون، وإذا ضرب خمسة وعشرون في مثله صار ستمائة وخمسة وعشرين، وإذا ضرب هذا العدد أيضًا في نفسه خرج ثلاثمائة ألف وتسعون ألفًا وستمائة وخمسة وعشرون، وإن ضرب هذا العدد في نفسه خرج عدد آخر وخمسة وعشرون. ألا ترى أن الخمسة كيف تحفظ نفسها وما يتولد منها دائمًا بالغًا ما بلغ؟ وهذه صورتها:
٥ – ٢٥ – ٦٢٥ – ٣٩٠٦٢٥
وأما الستة فإن فيها مشابهة للخمسة في هذا المعنى لكنها ليست ملازمة كلزوم الخمسة ودوامها ٦ ٣٦ ١٢٩٦ ستة في ستة ستة وثلاثون فالستة راجعة إلى ذاتها وظهر ثلاثون وإذا ثلاثون، وإذا ضربت ستة وثلاثون في نفسها خرج ألف ومائتان وستة وتسعون فظهرت الستة ولم يظهر الثلاثون، فقد بان أن الستة تحفظ نفسها ولا تحفظ ما يتولد منها، وأما الخمسة فإنها تحفظ نفسها وما يتولد منها دائمًا أبدًا. وأما ما قيل من خَاصِّيَّة الستة أنها أول عدد تام فمعناه أن كل عدد إذا جمعت أجزاء فكانت مثله سواء سمي ذلك العدد عددًا تامًّا فالستة أولها، وذلك أن لها نصفًا وهو ثلاثة، وثلثا وهو اثنان وسدسًا وهو واحد فإذا جمعت هذه الأجزاء كانت ستة سواء وليست هذه الخَاصِّيَّة لعدد قبلها، ولكن لما بعدها لثمانية وعشرين ولأربعمائة وستة وتسعين وثمانية آلاف ومائة وثمانية وعشرين، وهذه صورتها:
٦ ٢٨ ٤٩٦ ٨١٢٨
وأما ما قيل: إن السبعة أول عدد كامل فمعناه أن السبعة قد جَمعت معاني العدد كلها؛ وذلك أن العدد كله أزواج وأفراد، والأزواج منها أول وثان، فالاثنان أول الأزواج، والأربعة زوج ثانٍ، والأفراد منها أول وثان والثلاثة أول الأفراد والخمسة فرد ثان، فإذا جمعت فردًا أولًا إلى زوج ثانٍ أو زوجًا أولًا إلى فرد ثان كانت منها سبعة؛ مثال ذلك أنك إذا جمعت الاثنين الذي هو أول الأزواج إلى الخمسة الذي هو فرد ثانٍ كان منهما سبعة، وكذلك إذا جمعت الثلاثة التي هي فرد أول إلى الأربعة التي هي زوج ثانٍ كانت منهما سبعة، وكذلك إذا أخذ الواحد الذي هو أصل العدد مع الستة التي هي عدد تام يكون منهما السبعة التي هي عدد كامل، وهذه صورتها:
٧٦٥٤٣٢١
وهذه الخَاصِّيَّة لا توجد لعدد قبل السبعة ولها خواصُّ أُخَرُ، سنذكرها عند ذكرنا أن الموجودات بحسب طبيعة العدد.
وأما ما قيل: إن الثمانية أول عدد مكعب فمعناه أن كل عدد إذا ضُرب في نفسه سُمِّيَ جذرًا والمجتمع منهما مجذورًا — كما بَيَّنَّا مِنْ قبل — وإذا ضرب المجذور في جذره سمي المجتمع من ذلك مكعبًا؛ وذلك أن الاثنين أول العدد، فإذا ضرب في نفسه كان المجتمع منه أربعة وهي أول عدد مجذور ثم ضرب المجذور في جذره الذي هو اثنان فخرج من ذلك ثمانية، فالثمانية أول عدد مكعب.
وأما ما قيل: إنها أول عدد مجسم فلأن الجسم لا يكون إلا من سطوح متراكمة، والسطح لا يكون إلا من خطوط متجاورة، والخط لا يكون إلا من نقط منتظمة، كَمَا بَيَّنَّا في رسالة «الهندسة»، فأقل خط من جزأين وأضيف سطح من خطين وأصغر جسم من سطحين، فينتج من هذه المقدمات أن أصغر جسم من ثمانية أجزاء؛ أحدها الخط وهو جزءان فإذا ضرب الخط في نفسه كان منه السطح وهو أربعة أجزاء، وإذا ضرب السطح في أحد طوليه كان منه العمق فيصير جملة ذلك ثمانية أجزاء طول اثنين في عرض اثنين في عمق اثنين.
وأما ما قيل: إن التسعة أول فرد مجذور فلأن الثلاثة في الثلاثة تسعة وليس من السبعة والخمسة والثلاثة شيءٌ مجذور.
وأما ما قيل: إن العشرة أول مرتبة العشرات فهو بَيِّنٌ، كما أن الواحد أول مرتبة الآحاد، وهذا بين ليس يحتاج إلى الشرح ولها خَاصِّيَّة أُخرى وهي تُشبه خَاصِّيَّة الواحد، وذلك أنه ليس لها من جنسها إلا طرفٌ واحدٌ، وهو العشرون، وهي نصفها كَمَا بَيَّنَّا للواحد أنه نصف الاثنين.
وأما ما قيل: إن الأحد عشر أولُ عدد أصم، فلأنه ليس له جزء ينطق به ولكن يقال: واحد من أحد عشر واثنان منه، وكل عدد هذا وصفُهُ يسمى أَصَمَّ مثل ثلاثة عشر وسبعة عشر وما شاكل ذلك، وهذه صورتها:
.
يا | يج | يز | يط | كج | كط | لا | لز | ما | مج | مز |
١١ | ١٣ | ١٧ | ١٩ | ٢٣ | ٢٩ | ٣١ | ٣٧ | ٤١ | ٤٣ | ٤٧ |
نج | نط | سا | سز | عا | عج | عط | فج | فط | صا | |
٥٣ | ٥٩ | ٦١ | ٦٧ | ٧١ | ٧٣ | ٧٩ | ٨٣ | ٨٩ | ٩١ |
١٢ نصف ٦ ثلث ٤ ربع ٣ سدس ٢ نصف السدس ١
وبالجملة ما من عدد صحيح إلا وله خَاصِّيَّة تختص به دون غيره، ونحن تركنا ذكرها كراهية للتطويل.
•••
واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، أن العدد ينقسم قسمين: صحيح وكسور كما بينا قبل، فالصحيح ينقسم قسمين أزواجًا وأفرادًا، فالزوج هو كل عدد ينقسم بنصفين صحيحين، والفرد كل عدد يزيد على الزوج واحدًا أو ينقص عن الزوج بواحد، فأما نشوء عدد الزوج فيبتدئ من الاثنين بالتكرير دائمًا على ما يرى:
.
٢ | ٤ | ٦ | ٨ | ١٠ | ١٢ | ١٤ | ١٦ | ١٨ | ٢٠ |
ب | د | و | ح | ي | يب | يد | يو | يح | ك |
وأما نشوء الأفراد فيبتدئ من الواحد إذا أضيف إليه اثنان وأضيف إلى ذلك اثنان دائمًا بالغًا ما بلغ:
.
٣ | ٥ | ٧ | ٩ | ١١ | ١٣ | ١٥ | ١٧ | ١٩ |
ج | ﻫ | ز | ط | يا | يج | يه | يز | يط |
زوج الزوج،
وزوج الفرد،
وزوج الزوج والفرد؛
فزوج الزوج هو كل عدد ينقسم بنصفين صحيحين متساويين ونصفه بنصفين دائمًا إلى أن تنتهي القسمةُ إلى الواحد، مثال ذلك أربعة وستون، فإنه زوج الزوج، وذلك أن نصفه اثنان وثلاثون، ونصفه ستة عشر، ونصفه ثمانية، ونصفه أربعة، ونصفه اثنان، ونصفه واحد. ونشوء هذا العدد يبتدئ من الاثنين إذا ضُرب في الاثنين ثم ضرب المجموع في الاثنين وما يجمع من ذلك في الاثنين، ثم ضرب المجموع في الاثنين دائمًا بلا نهاية.
ومن أراد أن يتبين هذا مستقصًى فليضعف بيوت الشطرنج فإنه لا يخرج إلا من هذا العدد، أعني زوج الزوج؛ ولهذا العدد خواص أُخر ذكرها نيقوماخس في كتابه بشرح طويل ونحن نذكر منها طرفًا؛ قال:
إن هذا العدد إذا رُتب على نظمه الطبيعي وهو واحد اثنان أربعة ثمانية ستة عشر اثنان وثلاثون أربعة وستون، وعلى هذا القياس بالغًا ما بلغ فإن مِنْ خاصيته أن من ضرب الطرفين أحدهما في آخر يكون مساويًا لضرب الواسطة في نفسها إن كان له واسطةٌ واحدةٌ، وإن كانت له واسطتان فمثل ضرب أحدهما في الأخرى، مثال ذلك أربعةٌ وستون فإنه الطرف الآخر والواحد الطرف الأول وله واسطةٌ واحدةٌ، وهي ثمانيةٌ، فأقول: إن ضرب الواحد في أربعة وستين أو الاثنين في اثنين وثلاثين أو الأربعة في ستة عشر مساوٍ لضرب ثمانية في نفسها، وهذه صورتها:
.
أ | ب | د | ح | يو | لب | سد |
١ | ٢ | ٤ | ٨ | ١٦ | ٣٢ | ٦٤ |
.
ب | د | ح | يو | لب | سد | قكح |
٢ | ٤ | ٨ | ١٦ | ٣٢ | ٦٤ | ١٢٨ |
ولهذا العدد خَاصِّيَّة أخرى أنه إذا جمع من واحد إلى حيث ما بلغ يكون أقل من ذلك العدد الذي انتهى إليه بواحد؛ مثال ذلك إذا أُخذ واحد واثنان وأربعة يكون جملتها أقل من ثمانية بواحد وإن زيدت الثمانية عليها يكون الجملة أقل من ستة عشر بواحد وإن زيدت الستة عشر عليها يكون الجملة أقل من اثنين وثلاثين بواحد، وعلى هذا القياس توجد مراتب هذا العدد بالغًا ما بلغ، وهذه صورتها:
.
أ | ب | د | ح | يو | لب | سد | قكح | رنو |
١ | ٢ | ٤ | ٨ | ١٦ | ٣٢ | ٦٤ | ١٢٨ | ٢٥٦ |
وأما زوج الفرد فهو كل عدد ينقسم بنصفين مرة واحدة ولا ينتهي في القسمة إلى الواحد، مثل ستة وعشرة وأربعة عشر وثمانية عشر واثنين وعشرين وستة وعشرين، فإن كل واحد من هذه وأمثالها من العدد ينقسم مرة واحدة ولا ينتهي إلى الواحد، ونشوء هذا العدد من ضرب كل عدد فرد في اثنين، وهذه صورتها: «و ي يد يح كب كول لو لج مب مو» كل واحد من هذه الأعداد نصفٌ لِمَا فوقه من العدد، وأما زوجُ الزوج والفرد فهو كل عدد ينقسم بنصفين أكثر من مرة واحدة ولا ينتهي في القسمة إلى الواحد مثل اثني عشر وعشرين وأربعة وعشرين وثمانية وعشرين وأمثالها في الأعداد، وهذه صورتها:
.
يب | ك | كد | كح | لو | مد | نب | س | سح |
١٢ | ٢٠ | ٢٤ | ٢٨ | ٣٦ | ٤٤ | ٥٢ | ٦٠ | ٦٨ |
وأما العدد الفرد فيتنوع قسمين:
فرد أول وفرد مركب،
والفرد المركب نوعان مشترك ومتباين، تفصيل ذلك: أما الفرد الأول فهو كل عدد لا يعده غير الواحد عدد آخر مثل ثلاثة خمسة سبعة أحد عشر ثلاثة عشر سبعة عشر تسعة عشر ثلاثة وعشرين وأشباه ذلك من العدد، وخَاصِّيَّة هذا العدد أنه ليس له جزء سوى المسمى له؛ وذلك أن الثلاثة ليس لها إلا الثلث والخمسة ليس لها إلا الخمس وكذلك السبعة ليس لها إلا السبع، وهكذا الأحد عشر والثلاثة عشر والسبعة عشر، وبالجملة: جميع الأعداد الصم لا يعدها إلا الواحد فإن اسم جزئها مشتق منها.
وأما الفرد المركب فهو كل عدد يعده غير الواحد عدد آخر مثل تسعة وخمسة وعشرين وتسعة وأربعين وواحد وثمانين، وأمثالها من العدد، وهذه صورتها «ط كه مط فاقكا قسط»، وأما الفرد المشترك فهو كل عددين يعدهما غير الواحد عدد آخر مثل تسعة وخمسة عشر وواحد وعشرين؛ فإن الثلاثة تعدها كلها وكذلك خمسة عشر وخمس وعشرون وخمسة وثلاثون، فإن الخمسة تعدها كلها، فهذه الأعداد وأمثالها تسمى مشتركة في العدد الذي يعدها، وهذه صورتها «ط يه كا كه له»، وأما الأعداد المتباينة فهي كل عددين يعدهما عددان آخران غير الواحد، ولكن الذي يعد أحدهما لا يعد الآخر مثل تسعة وخمسة وعشرين؛ فإن الثلاثة تعد التسعة ولا تعد الخمسة والعشرين والخمسة تعد الخمسة والعشرين ولا تعد التسعة، فهذه الأعداد وأمثالُها يُقال لها: المتباينة.
.
.
فصل
واعلمْ يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن مِن خَاصِّيَّة كل عدد فرد أنه إذا قسم بقسمين كيف ما كان فأحد القسمين يكون زوجًا والآخر فردًا، ومن خَاصِّيَّة كل عدد زوج أنه إذا قسم كيف ما كان فيكون كلا قسميه إما زوجًا وإما فردًا، وهذه صورتها:
.
ي | ٤ | ٧ | ٢ | ١ | ٥ | ي | ١٠ | ٩ | ٨ | ٧ | ٦ |
ج | ١٠ | ١٠ | ١٠ | ١٠ | ١٠ | د | ١١ | ١١ | ١١ | ١١ | ١١ |
زو | ٤ | ٧ | ٢ | ١ | ٥ | فر | ١ | ٢ | ٣ | ٤ | ٥ |
واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن العدد ينقسم من جهة أخرى ثلاثة أنواع، إما تامًّا وإما زائدًا وإما ناقصًا، فالتام هو كل عدد إذا جُمعت أجزاؤه كانت الجملة مثله سواء مثل ستة وثمانية وعشرين وأربعمائة وستة وتسعين وثمانية آلاف ومائة وثمانية وعشرين، فإن كل واحد من هذه الأعداد إذا جُمعت أجزاؤُهُ كانت الجملة مثله سواء.
ولا يوجد من هذا العدد إلا في كل مرتبة من مراتب العدد واحد كالستة في الآحاد وثمانية وعشرين في العشرات وأربعمائة وستة وتسعين في المئات وثمانية آلاف ومائة وثمانية وعشرين في الألوف، وهذه صورتها: ٦ ٢٨ ٤٩٦ ٨١٢٨ وأما العدد الزائد فهو كل عدد إذا جمعت أجزاؤه كانت أكثر منه، مثل الاثني عشر والعشرين والستين وأمثالها من العدد، وذلك أن الاثني عشر نصفها ستة وثلثها أربعة وربعها ثلاثة وسدسها اثنان ونصف سدسها واحد، فجملة هذه الأجزاء ستة عشر، وهي أكثر من اثني عشر، وأما العددُ الناقص فهو كل عدد إذا جُمعت أجزاؤُهُ كانت أقل منه مثل أربعة وثمانية وعشرة وأمثالها من العدد، وذلك أن الثمانية نصفها أربعة وربعها اثنان وثمنها واحد وجملتها تكون سبعة، فهي أقل من الثمانية، وعلى هذا القياس حُكم سائر الأعداد الناقصة.
فصل
واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن العدد من جهة أخرى ينقسم قسمين؛ أحدهما يقال له: أعداد متحابة، وهي كل عددين أحدهما زائدٌ والآخر ناقص، وإذا جمعت أجزاء العدد الزائد كانت مساوية لجملة العدد الناقص، وإذا جمعت أجزاء العدد الناقص كانت مساوية لجملة العدد الزائد، مثال ذلك مائتان وعشرون وهو عدد زائد ومائتان وأربعة وثمانون وهو عدد ناقص، فإذا جمعت أجزاء مائتين وعشرين كانت مساوية لمائتين وأربعة وثمانين، وإذا جمعت أجزاء هذا العدد يكون جملتها مائتين وعشرين فهذه الأعداد وأمثالها تسمى «متحابة» وهي قليلة الوجود، وهذه صورتها:
.
جملته | ٢٨٤ | جملته | ٢٢٠ |
نصفه | ١١٠ | نصفه | ١٤٢ |
ربعه | ٥٥ | ربعه | ٧١ |
خمسه | ٤٤ | مخرج الربع | ٤ |
نصف الخمس | ٢٢ | مخرج النصف | ٢ |
ربع الخمس | ١١ | جزؤه | ١ |
مخرج ربع الخمس | ٢٠ | ||
مخرج نصف الخمس | ١٠ | ||
مخرج الخمس | ٥ | ||
مخرج الربع | ٤ | ||
مخرج النصف | ٢ | ||
جزؤه | ١ |
فصل
واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن لكل نوع من هذه الأنواع عدة خواص، وقد ذكر ذلك في كتاب الأرثماطيقي بشرح طويل، ولكن نذكر منها طرفًا في هذا الفصل؛ فنقول:
إن من خَاصِّيَّة النظم الطبيعي أنه إذا جمع من واحد إلى حيث ما بلغ يكون المجموع مساويًا لضرب ذلك العدد الأخير بزيادة واحد عليه في نصفه، مثال ذلك إذا قيل: كم من واحد إلى عشرة مجموعًا على النظم الطبيعي؟ فقياسُهُ أن يُزاد على العشرة واحد ثم يضرب في نصف العشرة فيكون خمسة وخمسين، أو تضرب الخمسة في نفسها فيكون خمسة وعشرين ثم في النصف الآخر الذي هو ستة فيكون ثلاثين، الجملة خمسةٌ وخمسون وذلك بابه المطلوب وقياسه.
وأما نظم الأزواج فهو مثل واحد اثنين أربعة ستة ثمانية عشرة اثني عشر، وعلى هذا المثال بالغًا ما بلغ، ومن خَاصِّيَّة هذا النظم أن يكون المجموع أبدًا فردًا، ومن خاصيته أيضًا أنه إذا جمع على نظمه الطبيعي من واحد إلى حيث ما بلغ يكون المجموعُ مساويًا لضرب ذلك العدد في النصف الآخر بزيادة واحد ثم يُزاد على الجملة واحد؛ مثال ذلك إذا قيل لك: كم واحد إلى العشرة مجموعًا على نظم الأزواج؟ فقياسه أَنْ تأخذ نصف العشرة فتزيد عليه واحدًا، ثم تضربُهُ في النصف الآخر ثم تزيد على الجملة واحدًا فذلك أحدٌ وثلاثون، وعلى هذا القياس سائرُ الأعداد.
وأما نظم الأفراد فمثل واحد، ثلاثة، خمسة، سبعة، تسعة، أحد عشر، بالغًا ما بلغ، فمن خاصيته أنه إذا جُمع على نظمه الطبيعي يكونُ المجموعان الواحد زوج والآخر فرد، يتلو بعضها بعضًا، بالغًا ما بلغ، وتكون كلها مجذوراتٌ، ومن خاصيته أيضًا أنه إذا جمع على نظمه الطبيعي من واحد إلى حيث ما بلغ فإنَّ المجموع يكون مساويًا لضرب نصفه مجذورًا مجبورًا في نفسه، مثال ذلك إذا قيل: كم من واحد إلى أحد عشر؟ فبابُهُ أن تأخذ نصف العدد وهو خمسةٌ ونصفٌ فتجبره فيصير ستة فتضربه في نفسه فيكون ستة وثلاثين، وذلك بابه فَقِسْ عليه.
•••
واعلمْ يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن معنى الضرب هو تضعيفُ أحد العددين بقدر ما في الآخر من الآحاد، مثال ذلك إذا قيل: كم ثلاثة في أربعة، فمعناه: كم جملة ثلاثة أربع مرات؟
واعلمْ يا أخي بأن العدد نوعان صحيحٌ وكسور — كَمَا بَيَّنَّا قبل — فصار أيضًا ضرب العدد بعضه في بعض نوعين: مفرد ومركب، فالمفردُ ثلاثةُ أنواع: الصحيح في الصحيح مثل اثنين في ثلاثة وثلاثة في أربعة وما شاكله، ومنها الكسور في الكسور مثل نصف في ثلث وثلث في ربع وما شاكله، ومنها الصحيح في الكسور مثل اثنين في ثلث أو ثلث في أربعة ما شاكله، وأما المركب فهو أيضًا ثلاثةُ أنواع: فمنها الكسور والصحيح في الصحيح مثل اثنين وثلث في خمسة وما شاكلها، ومنها الصحيحُ والكسور في الصحيح والكسور مثل اثنين وثلث في ثلاثة وربع وما شاكلها، ومنها الصحيح والكسور في الكسور مثل اثنين وثلث في سبع.
فصل
واعلم يا أخي بأن ضرب العدد الصحيح على أربعة أنواع وجُملتها عشرة أبواب، وهي: آحاد وعشرات ومئات وألوف، فالآحاد في الآحاد واحدُها واحد وعَشرتها عشرة، والآحاد في العشرات واحدها عشرة وعشرتها مائة، والآحاد في المئات واحدها مائة وعشرتها ألف، والآحاد في الألوف وأحدها ألف وعشرتها عشرة آلاف، فهذه أربعةُ أبواب. وأما العشرات في العشرات فواحدُها مائة وعشرتها ألف، والعشرات في المئات واحدها ألف وعشرتها عشرة آلاف، والعشرات في الألوف واحدها عشرة آلاف وعشرتها مائة ألف. فهذه ثلاثة أبواب، وأما المئات في المئات فواحدها عشرة آلاف وعشرتها مائة ألف، والمئات في الألوف واحدها مائة ألف وعشرتها ألف ألف فهذان بابان، وأما الألوف في الألوف فواحدهما ألف ألف وعشرتها عشرة آلاف ألف، وهو باب واحد، فصار جملة الجميع عشرة أبواب، وهذه صورتها:
«آحاد في آحاد» «آحاد في عشرات» «آحاد في مئات» «آحاد في ألوف» «عشرات في عشرات» «عشرات في مئات» «عشرات في ألوف» «مئات في مئات» «مئات في ألوف» «ألوف في ألوف».
(٢) فصل في الضرب والجذر والمكعبات، وما يستعمله الجبريون والمهندسون من الألفاظ ومعانيها
فنقول:
كل عددين — أي عددين كانا — إذا ضُرب أحدُهُما في الآخر؛ فإن المجتمِع من ذلك يسمى عددًا مربعًا، فإن كان العددان متساويَين يسمى المجتمع من ضربيهما عددًا مربعًا مجذورًا أو العددان يسميان جذرَي ذلك العدد؛ مثال ذلك: إذا ضرب اثنان في اثنين يكون أربعة وثلاثة في ثلاثة تسعة وأربعة في أربعة ستة عشر فالأربعة والتسعة والستة عشر وأمثالها من العدد؛ يُسمى كل واحد منها مربعًا مجذورًا، والاثنان والثلاثة والأربعة يسمى جذرًا؛ لأن الاثنين هو جذر الأربعة والثلاثة جذر التسعة والأربعة جذر الستة عشر، وعلى هذا القياس يُعتبر سائر المربعات المجذورات وجذورها:
٢ | ٣ | ٤ | ٥ | ٦ | ٧ | ٨ | ٩ |
د | ط | يو | كه | لو | مط | دس | فا |
فصل
كل عدد مربع، كان مجذورًا أو غير مجذور، ضُرب في عدد آخر — أي عدد كان — فإن المجتمِع من ذلك يسمى عددًا مجسمًا مكعبًا فإن كان العدد المربع مجذورًا وضرب في جذره يسمى المجتمع من ذلك عددًا مجسمًا مكعبًا؛ مثال ذلك أربعة، فإنه عددٌ مربع مجذورٌ ضرب في الاثنين الذي هو جذرها فخرج منه ثمانية وكذلك أيضًا التسعةُ وهو أيضًا عدد مربع مجذور ضرب في الثلاثة الذي هو جذرها كانت منه سبعة وعشرون، وكذلك الستة عشر فإنه عددٌ مجذورٌ ضُرب في الأربعة التي هي جذرها فخرج منه أربعة وستون فالثمانية والسبعة والعشرون وأربعة وستون وأمثالها من الأعداد تسمى أعدادًا مجسَّمة مكعبة، والمكعب جسمٌ طولُهُ وعرضه وعمقه متساوية وله ستةُ سطوح مربعات متساوية الأضلاع قائمة الزوايا وله اثنا عشر ضلعًا متوازية وثماني زوايا مجسمة وأربع وعشرون زاوية مسطحة.
وإن ضرب العدد المربع المجذور في عدد أَقَل من جذره يسمى المجتمع من ضربه عددًا مجسمًا لبنيًّا، والجسم اللبني هو الذي طوله وعرضه متساويان وسمكه أقل منهما وله ستة سطوح مربعات متوازي الأضلاع، قائم الزوايا، لكن له سطحين متقابلين مربعين متساويي الأضلاع، قائمي الزوايا، وله أربعة سطوح مستطيلات وله اثنا عشر ضلعًا كل اثنين منها متوازيان وثماني زوايا مجسمة وأربع وعشرون زاوية مسطحة، وإن ضرب المربع المجذور في أكثرَ من جذره يسمى المجتمع منه عددًا مجسمًا بيريًّا؛ مثال ذلك أربعة فإنه عدد مجذور ضرب في الثلاثة التي هي أكثر من جذرها فكان منه اثنا عشر وكذلك التسعة إذا ضربت في أربعة التي هي أكثر من جذرها خرج منها ستةٌ وثلاثون.
فالاثنا عشر والستة والثلاثون وأمثالها من العدد يسمى مجسمًا بيريًّا و«المجسم البيري» هو الذي سمكه أكثر من طوله وعرضه، وله ستة سطوح مربعات اثنان منها مربعان متقابلان متساويا الأضلاع قائما الزوايا وأربعة منها مستطيلة متوازية الأضلاع قائمة الزوايا، وله اثنا عشر ضلعًا كل اثنين منها متوازيان متساويان، وله ثماني زوايا مجسمة وأربع وعشرون زاوية مسطحة، وكل عدد مربع غير مجذور ضرب في ضلعه الأصغر فإن المجتمع منه يسمى مجسمًا لبنيًّا، وإن ضرب في ضلعه الأطول فإن المجتمع منه يسمى مجسمًا بيريًّا، وإن ضرب في عدد أقل منهما أو أكثر فإن المجتمع منه يسمى «مجسمًا لوحيًّا».
مثال ذلك الاثنا عشر فإنه عدد مربع غير مجذور واحد ضلعيه ثلاثة والآخر أربعة، فإن ضرب اثنا عشر في ثلاثة خرج منه ستة وثلاثون، وهو مجسم لبني، وإن ضرب في أربعة خرج منه ثمانية وأربعون وهو مجسم بيري، وإن ضرب في أقل من الثلاثة أو أكثر من الأربعة يسمى مجسمًا لوحيًّا، والمجسم اللوحي هو الذي طوله أكثر من عرضه وعرضه أكثر من سمكه وله ستة سطوح كل اثنين منها متساويان متوازيان وله اثنا عشر ضلعًا كل اثنين منها متوازيان وثماني زوايا مجسمة وأربع وعشرون زاوية مسطحة.
فصل
في خواص العدد المجذور، فنقول: وكل عدد مجذور إذا زِيد عليه جذراه وواحد كان المجتمعُ من ذلك مجذورًا، وكل عدد مجذور إذا انتقص منه جذراه إلا واحدًا يكون الباقي مجذورًا، وكل عددين مجذورَين على الولاء إذا ضرب جذر أحدهما في جذر الآخر وزِيد عليه ربع يكون الجملة مجذورًا؛ مثال ذلك: جذر أربعة وهو اثنان في جذر تسعة وهو ثلاثة، فيكون ستةٌ وزيد عليه ربع يكون ستة وربعًا جذرها اثنان ونصف، فإذا ضرب الاثنان والنصف في مثله كان ستة وربعًا جذرها اثنان ونصف وكل عددين مجذورين على الولاء إذا ضرب جذرُ أحدهما في جذر الآخر يخرج بينهما عدد وسط وتكون ثلاثتها في نسبة واحدة؛ مثال ذلك: أربعة وتسعة فإنهما عددان مجذوران وجذراهما اثنان وثلاثة واثنان في ثلاثة ستة فنسبة الأربعة إلى الستة كنسبة الستة إلى التسعة، وعلى هذا القياس يعتبر سائرُها.
(٣) فصل في مسائلَ من المقالة الثانية من كتاب إقليدس في الأُصُول
كل عددَين قسم أحدهما بأقسامٍ كم كانت فإن ضرب أحدهما في الآخر مساوٍ لضرب الذي لم يقسم في جميع أقسام العدد المقسوم قسمًا قسمًا، مثال ذلك عشرة وخمسة عشر وقسم الخمسة عشر ثلاثة أقسام سبعة وثلاثة وخمسة، فنقول «أ» إن ضرب العشرة في خمسة عشر مساوٍ لضرب العشرة في سبعة وفي ثلاثة وفي خمسة «ب» كل عدد قسم بأقسام كم كانت فإن ضرب ذلك العدد في مثله مساوٍ لضربه في جميع أقسامه؛ مثال ذلك عشرة قسمت بقسمين سبعة وثلاثة فأقول: إن ضرب العشرة في نفسها مساوٍ لضربها في سبعة وفي ثلاثة «ج» كل عدد قسم بقسمين فنقول: إن ضرب ذلك العدد في أحد قسميه مساوٍ لضرب ذلك القسم في نفسه، وفي القسم الآخر، مثال ذلك عشرةٌ قسمت بقسمين ثلاثة وسبعةٌ فأقول: إن ضرب العشرة في سبعة مساوٍ لضرب سبعةٍ في نفسها وثلاثة في سبعة، «د» كل عدد قسم قسمين فأقول: إن ضرب ذلك العدد في نفسه مساوٍ لضرب كل قسم في نفسه وأحدهما في الآخر مرتين؛ مثال ذلك عشرة قسمت قسمين سبعة وثلاثة فأقول: إن ضرب العشرة في نفسها مساوٍ لضرب سبعة في نفسها وثلاثة في نفسها وسبعة في ثلاثة مرتين، «ﻫ» كل عدد قسم بنصفين ثم بقسمين مختلفين فإن ضرب أحد المختلفين في الآخر وضرب التفاوُت في نفسه مساوٍ لضرب نصف ذلك العدد في نفسه.
مثاله عشرة قسمت بنصفين ثم بقسمين مختلفين ثلاثة وسبعة، فنقول: إن ضرب السبعة في ثلاثة والتفاوت في نفسها وهو اثنان مجموعًا مساوٍ لضرب الخمسة في نفسها، «و» كل عدد قسم بنصفين ثم يزاد فيه زيادة ما فأقول: إن ضرب ذلك العدد مع الزيادة في تلك الزيادة ونصف العدد في نفسه مجموعًا يكون مساويًا لضرب نصف ذلك العدد مع الزيادة في نفسه، مثاله عشرة قسمت بنصفين ثم زيد عليه اثنان فنقول: إن ضرب الاثني عشر في اثنين وخمسة في نفسها مجموعًا مساوٍ لضرب الاثنين وخمسة مجموعًا في نفسه، «ز» كل عدد قسم بقسمين فأقول: إن ضرب ذلك العدد في نفسه وضرب أحد القسمين في نفسه مجموعًا مساوٍ لضرب ذلك العدد في ذلك القسم مرتين، وضرب القسم الآخر في نفسه مجموعًا مثاله عشرة قسمت بقسمين سبعة وثلاثة فأقول: إن ضرب العشرة في نفسها وسبعة في نفسها مجموعًا مساوٍ لضرب العشرة في سبعة مرتين وثلاثة في نفسها مجموعًا، «ح» كل عدد قسم بقسمين ثم زِيد عليه مثل أحد القسمين فنقول: إن الذي يكون من ضرب جميع ذلك في نفسه مساوٍ لضرب ذلك العدد قبل الزيادة في تلك الزيادة أربع مرات والقسم الآخر في نفسه.
مثاله عشرةٌ قُسمت بقسمين سبعة وثلاثة، ثم زيدت عليه ثلاثة فنقول: إن ضرب الثلاثة عشر في نفسه مساوٍ لضرب عشرة في ثلاثة أربع مرات وضرب سبعة في نفسه مرة واحدة، «ط» كل عدد قسم بنصفين ثم بقسمين مختلفين فإن الذي يكون من ضرب القسمين المختلفين كل واحد منهما في نفسه مجموعًا مثلًا ما يكون من ضرب نصف ذلك في نفسه وضرب التفاوُت ما بين العددين في نفسه مجموعًا؛ مثال ذلك عشرةٌ قسمت بنصفين، ثم بقسمين مختلفين ثلاثة وسبعة فأقول: إن الذي يكون من ضرب سبعة في نفسها وثلاثة في نفسها مجموعًا مثلًا ما يكون من ضرب الخمسة في نفسها ومن ضرب الاثنين الذي هو التفاوُت ما بين القسمين في نفسه مجموعًا، «ي» كل عدد قسم بنصفين ثم زِيد فيه زيادة ما فإن الذي يكون من ضرب ذلك العدد مع الزيادة في نفسه وضرب الزيادة في نفسها مجموعًا مثلًا ما يكون من ضرب نصف العدد مع الزيادة في نفسه وضرب نصف العدد في نفسه.
مثال ذلك عشرةٌ قُسمت بنصفين ثم زِيد عليها اثنان فأقول: إن ضرب الاثنَي عشر في نفسه والاثنين في نفسه مجموعًا مثلًا ما يكون من ضرب سبعةٍ في نفسها وخمسة في نفسها مجموعًا.
فصل
واعلمْ أيها الأخ البار الرحيم، أيدك الله وإيانا بروح منه، أنه إنما قدم الحكماءُ النظر في علم العدد قبل النظر في سائر العلوم الرياضية؛ لأن هذا العلم مركوز في كل نفس بالقوة، وإنما يحتاج الإنسان إلى التأمل بالقوة الفكرية حسب، من غير أن يأخذ لها مثالًا من علم آخر بل منه يؤخذ المثال على معلوم، وأما ما أشرنا إليه من المثالات التي بالخطوط في هذه الرسالة فإنما تلك للمتعلمين المبتدئين الذين قوةُ أفكارهم ضعيفة، فأما مَن كان منهم فهيمًا ذكيًّا فغيرُ محتاج إليها.
واعلم أيها الأخ البار الرحيم، أيدك الله وإيانا بروح منه، أن أحد أغراضنا من هذه الرسالة ما قد بيَّنا في أولها، وأما الغرض الآخر فهو التنبيهُ على «علم النفس» والحث على معرفة جوهرها، وذلك أن العاقل الذهين إذا نظر في علم العدد، وتفكر في كمية أجناسه وتقاسيمِ أنواعه وخواص تلك الأنواع؛ علم أنها كلها أعراض وجودها وقوامها بالنفس فالنفسُ إذن جوهر؛ لأن العرض لا يكون له قوام إلا بالجوهر ولا يوجد إلا فيه.
•••
واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن غرض الفلاسفة الحكماء من النظر في العلوم الرياضية وتخريجهم تلامذتهم بها إنما هو السلوك والتطرق منها إلى علوم الطبيعيات، وأما غرضُهُم في النظر في الطبيعيات فهو الصعود منها والترقي إلى العلوم الإلهية الذي هو أقصى غرض الحكماء والنهاية التي إليها يرتقي بالمعارف الحقيقية، ولما كان أول درجة من النظر في العلوم الإلهية هو معرفةُ جوهر النفس والبحث عن مبدئها من أين كانت قبل تعلُّقها بالجسد والفحص عن معادها إلى أين تكون بعد فراق الجسد الذي يسمى الموت وعن كيفية ثواب المحسنين كيف يكون في عالم الأرواح وعن جزاء المسيئين كيف يكون في دار الآخرة.
وخصلة أُخرى أيضًا لما كان الإنسانُ مندوبًا إلى معرفة ربه ولم يكن له طريق إلى معرفته إلا بعد معرفة نفسه، كما قال الله تعالى: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ؛ أي جهل النفس وكما قيل: من عرف نفسه فقد عرف ربه، وقد قيل أيضًا: أعرفُكم بنفسه أعرفُكم بربه؛ وجب على كل عاقل طلب علم النفس ومعرفة جوهرها وتهذيبها، وقد قال الله تعالى: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا، وقال الله تعالى — حكاية عن امرأة العزيز في قصة يوسف عليه السلام: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي، وقال تعالى: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى، وقال تعالى: يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا، وقال تعالى: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً، وقال تعالى: اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا، وآيات كثيرة في القرآن ودلالات على وجود النفس وعلى تصرف حالاتها وهي حجة على الجرميين المنكرين أمر النفس ووجدانها.
وأما أولئك الحكماء الذين كانوا يتكلمون في علم النفس قبل نزول القرآن والإنجيل والتوراة، فإنهم لما بحثوا عن علم النفس بقرائح قلوبهم واستخرجوا معرفة جوهرها بنتائج عُقُولهم؛ دعاهم ذلك إلى تصنيف الكُتُب الفلسفية التي تقدم ذكرُها في أول هذه الرسالة، ولكنهم لما طولوا الخطب فيها ونقلها مِن لغة إلى لغة مَن لم يكن فهم معانيها ولا عرف أغراض مؤلفيها؛ انغلق على الناظرين في تلك الكتب فهمُ معانيها وثقلت على الباحثين أغراض مصنفيها، ونحن قد أخذنا لب معانيها وأقصى أغراض واضعيها وأوردناها بأوجز ما يمكن من الاختصار في اثنتين وخمسين رسالة؛ أولها هذه ثم يتلوها أخواتُها على الولاء كترتيب العدد تجدها — إن شاء الله تعالى.
(تمت الرسالة والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على رسوله محمد النبي وآله الطاهرين وسلم تسليمًا.)