الرسالة الثالثة
الموسومة بالأسطرنوميا في علم النجوم وتركيب الأفلاك
بسم الله الرحمن الرحيم
الْحَمْدُ لِلهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ
اعلم أيها الأخ البار الرحيم، أيدك الله وإيانا بروح منه، أنَّا قد فرغنا من رسالة المدخل إلى علم الهندسة، وبيَّنا فيها الهندسة الحسية والعقلية، واستوفينا الكلام في الخطوط والأشكال والزوايا التي لا بد للمهندسين أَنْ يعرفوها، ونُريد أن نذكر في هذه الرسالة طرفًا مِن علم النجوم مثل ما فيها، فنقول:
إن علم النجوم ينقسم ثلاثةَ أقسام، قسم منها هو معرفة تركيب الأفلاك وكمية الكواكب وأقسام البروج وأبعادها وعظمها وحركاتها وما يتبعها من هذا الفن، ويسمى هذا القسم «علم الهيئة»، ومنها قسمٌ هو معرفةُ حَلِّ الزيجات وعمل التقاويم واستخراج التواريخ، وما شاكل ذلك، ومنها قسمٌ هو معرفة كيفية الاستدلال بدوران الفلك، وطوالع البروج، وحركات الكواكب على الكائنات قبل كونها تحت فلك القمر، ويسمى هذا النوع «علم الأحكام»، فنُريد أن نذكر في هذه الرسالة من كل نوع طرفًا شبه المدخل؛ كيما يسهل الطريق على المتعلمين ويقرب تناولُهُ للمبتدئين، فنقول:
أصل علم النجوم هو معرفة ثلاثة أشياء وهي الكواكب والأفلاك والبروج، فالكواكبُ أجسام كريات مستديرات مضيئات وهي ألفٌ وتسعةٌ وعشرون كوكبًا كبارًا التي أدركت بالرصد منها سبعة يقال لها: السيارة، وهي: زُحل والمشتري والمريخ والشمس والزهرة وعطارد والقمر، والباقية يُقال لها: ثابتةٌ ولكل كوكب من السبعة السيارة فلك يخصه.
والأفلاك هي أجسام كريات مشفات مجوفات، وهي تسعة أفلاك مركبة بعضها في جوف بعض كحلقة البصلة فأدناها إلينا فلك القمر وهو محيطٌ بالهواء من جميع الجهات كإحاطة قشرة البيضة ببياضها والأرض في جوف الهواء كالمح في بياضها، ومن وراء فلك القمر فلك عطارد، ومن وراء فلك عطارد فلك الزهرة، ومن وراء فلك الزهرة فلك الشمس، ومن وراء فلك الشمس فلك المريخ، ومن وراء فلك المريخ فلك المشتري، ومن وراء فلك المشتري فلك زحل، ومن وراء فلك زحل فلك الكواكب الثابتة، ومن وراء فلك الكواكب الثابتة فلك المحيط، وهذا مثال ذلك:
وذلك أن الفلك المحيطَ دائمُ الدوران كالدولاب، يدور من المشرق إلى المغرب فوق الأرض، ومن المغرب إلى المشرق تحت الأرض في كل يوم وليلة دورة واحدة ويدير سائر الأفلاك والكواكب معه، كما قال الله — عز وجل: وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ، وهذا الفلك المحيط مقسومٌ باثني عشر قسمًا كجزر البطيخة كل قسم منها يسمى بُرجًا، وهذه أسماؤُها: الحملُ والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت، فكل برج ثلاثون درجة جملتها ثلاثمائة وستون درجة وكل درجة ستون جزءًا، كل جزء يسمى دقيقة جملتها واحد وعشرون ألفًا وستمائة دقيقة، وكل دقيقة ستون جزءًا يسمى ثانية وكل ثانية ستون جزءًا وكل جزء يسمى ثالثة، وهكذا إلى الروابع والخوامس وما زاد بالغًا ما بلغ، مثال ذلك:
وهذه البروج توصف بأوصاف شتى من جهات عدة، وقبل وصفها نحتاج أن نذكر أشياء لا بد من ذِكْرها، منها: أن الزمان أربعة أقسام، وهي: الربيع والصيف والخريف والشتاء، والجهات أربعٌ، وهي: المشرق والمغرب والجنوب والشمال. والأركان أربعةٌ وهي: النارُ والهواءُ والماء والأرض. والطبائع أربعٌ وهي: الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة. والأخلاطُ أربعٌ وهي: الصفراء والسوداء والبلغم والدم. والرياح أربع وهي: الصبا والدبور والجريباء والتيماء.
(١) فصل في ذكر صفة البروج
فنقول: منها ستة شمالية وستة جنوبية وستة مستقيمة الطلوع وستة معوجة الطلوع، وستة ذكور وستة إناث وستة نهارية وستة ليلية وستة فوق الأرض وستة تحت الأرض، وستة تطلع بالنهار وستة تطلع بالليل وستة صاعدة وستة هابطة وستة يمنة وستة يسرة وستة من حيز الشمس وستة من حيز القمر.
تفصيلها: أما الستة الشمالية فهي الحمل والثور والجوزاءُ والسرطان والأسد والسنبلة، وإذا كانت الشمسُ في واحد منها يكون الليلُ أَقْصَرَ والنهار أطول، وأما الستة الجنوبية فهي الميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت، وإذا كانت الشمسُ في واحدٍ منها يكونُ الليلُ أطول والنهار أقصر، وأما المستقيمة الطلوع فهي السرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس، وكل واحد منها يطلع في أكثر من ساعتين، وإذا كانت الشمس في واحد منها تكون هابطة من الشمال إلى الجنوب ومن الأوج إلى الحضيض والليل آخذ من النهار.
وأما المعوجة الطلوع فهي الجدي والدلو والحوت والحمل والثور والجوزاء، وكل واحد منها يطلع في أقل من ساعتين، وإذا كانت الشمسُ في واحد منها تكون صاعدةً من الجنوب إلى الشمال ومن الحضيض إلى الأوج والنهار آخذٌ من الليل، وأما الستة الذكور النهارية فهي الحمل والجوزاء والأسد والميزان والقوس والدلو، وأما الستة الإناث الليلية فهي الثور والسرطان والسنبلة والعقرب والجدي والحوت.
وأما الستة التي تطلع بالنهار فهي من البرج الذي فيه الشمسُ إلى البرج السابع منها، والستة التي تطلع بالليل هي من البرج السابع إلى البرج الذي فيه الشمس، وأما الستة التي من حيز الشمس فهي من بُرج الأسد إلى برج الجدي، والستة التي من حيز القمر هي من بُرج الدلو إلى برج السرطان، ومن وجهٍ آخرَ هذه البروجُ تنقسم أربعة أقسام، منها ثلاثة ربيعيةٌ صاعدةٌ في الشمال زائدة النهار على الليل، وهي: الحمل والثور والجوزاء، وثلاثة صيفية هابطة في الشمال آخذة الليل من النهار، وهي: السرطان والأسد والسنبلة، منها ثلاثة خريفية هابطةٌ في الجنوب زائدة الليل على النهار، وهي: الميزان والعقرب والقوس، ومنها ثلاثةٌ شتويةٌ صاعدةٌ من الجنوب آخذة النهار من الليل، وهي: الجدي والدلو والحوت.
وتنقسم هذه البروج من جهة أُخرى أربعة أقسام ثلاثةٌ منها مثلثات ناريات حارات يابسات شرقيات على طبيعة واحده، وهي: الحمل والأسد والقوس، وثلاثة منها مثلثات ترابيات باردات يابسات جنوبيات على طبيعة واحدة، وهي: الثور والسنبلة والجدي، وثلاثة منها مثلثات هوائيات حارات رطبات غربيات على طبيعة واحدة وهي: الجوزاء والميزان والدلو، ومنها مثلثات مائيات باردات رطبات شماليات على طبيعة واحدة، وهي: السرطان والعقرب والحوت، وكذلك من جهة أُخرى تنقسم هذه البروجُ ثلاثة أثلاث، أربعة منها منقلبة الزمان، وهي: الحمل والسرطان والميزان والجدي، وأربعة منها ثابتة الزمان وهي: الثور والأسد والعقرب والدلو، وأربعة منها ذوات الجسدين وهي: الجوزاء والسنبلة والقوس والحوت.
فقد بَانَ بهذا الوصف في هذا الشكل أن لو كانت البروج أكثر من اثني عشر أو أقل من ذلك لَمَا استمرت فيه هذه الأقسام على هذا الوجه الذي ذكرنا، فإذا بواجب الحكمة كانت اثني عشر؛ لأن الباري — جَلَّ ثناؤُهُ — لا يفعل إلا الأحكم والأتقن، ومن أجل هذا جعل الأفلاك كريات الشكل؛ لأن هذا الشكل أفضل الأشكال، وذلك أنه أوسعها وأبعدها من الآفات وأسرعها حركة ومركزُهُ في وسطه وأقطارُهُ متساوية ويحيط به سطحٌ واحد ولا يماس غيره إلا على نقطة ولا يوجد في شكل غيره هذه الأوصاف، وجعل أيضًا حركته مستديرة؛ لأنها أفضل الحركات، وهذه البروجُ الاثنا عشر تنقسم بين هذه الكواكب السبعة السيارة من عدة وجوه، ولها فيها أقسامٌ وخطوطٌ من وجوه شتى، فمنها البيت والوبال، ومنها الأوج والحضيض، ومنها الشرف والهبوط، ومنها الجوزهر يعني: الرأس والذنب، ومنها ربوبية المثلثات، ومنها ربوبيةُ الوجوه، ومنها ربوبيةُ الحدود، ومنها ربوبيةُ النوبهرات، ومنها ربوبية الاثنَي عشريات، ومنها ربوبيةُ مواضع السهام، وغير ذلك، وأن هذه الكواكب السيارة كالأرواح، والبُرُوج لها كالأجساد.
(٢) فصل في ذِكْر البيوت والوبال
فنقول: اعلم أَنَّ الأسد بيتُ الشمس والسرطان بيت القمر والجوزاء والسنبلة بيتا عطارد والثور والميزان بيتا الزهرة والحمل والعقرب بيتا المريخ والقوس والحوت بيتا المشتري والجدي والدلو بيتا زحل، ولكُلِّ واحدٍ مِنْ هذه الكواكب الخمسة بيتٌ مِنْ حيز الشمس وبيتٌ مِنْ حيز القمر، ووبال كل كوكب في مقابلة بيته، وهذه الكواكبُ لبعضها في بيوت بعض مواضعُ مخصوصةٌ، فمنها الشرف والهبوط ومنها الأوج والحضيض ومنها الجوزهر، مثال ذلك:
تفسيرُ ذلك: فأما الشرفُ فهو أَعَزُّ موضع للكواكب في الفلك والهبوط ضده، والأوج أعلى موضع للكواكب في الفلك والحضيض ضده، فشرفُ الشمس في الحمل وهو بيت المريخ وأوجها في الجوزاء بيت عطارد وشرف زحل في الميزان بيت الزهرة وأوجه في القوس بيت المشتري وجوزهره في السرطان بيت القمر. ومعنى الجوزهر: تقاطُع طريق الكواكب لطريق الشمس بممرها في البُرُوج في موضعين؛ أحدهما يُسَمَّى رأس الجوزهر والآخر ذنب الجوزهر، وذلك أن زحل إذا سار في البروج يكونُ مسيرُهُ في ستة أبراج عن يمنة طريق الشمس ثم يعبر إلى الجانب الآخر ويسير ستة أبراج عن يسرة طريق الشمس، فيحدث لطريقها تقاطعٌ في موضعين أحدُهُما يسمى الرأس والآخر الذنب، وهذا مثاله:
ولكل كوكب من الخمسة السيارة جوزهر مثل ما لزحل مذكور ذلك في الزيجات، وأما المذكور في التقاويم فهو الذي للقمر، ويقال لهما أيضًا: العقدتان، وإنما اختص ذكرهما في التقاويم؛ لأنهما ينتقلان في البروج والدرج ولهما سير كسير الكواكب ولهما دلالة كدلالة الكواكب.
وإذا اجتمع الشمسُ والقمر في وقتٍ من الأوقات عند أحدهما في برج واحد ودرجةٍ واحدة انكسفت الشمس، ولا يكون ذلك إلا في آخر الشهر؛ لأن القمر يصير محاذيًا لموضع الشمس من البرج والدرجة فيمنع نور الشمس عن أبصارنا فنراها منكسفة مثل ما تَمنع قطعة غيم عن أبصارنا نور الشمس إذا مرت محاذية لأبصارنا ولعين الشمس، وإذا كانت الشمس عند أحدهما وبلغ القمر إلى الآخر انكسف القمر ولا يكون كسوف القمر إلا في نصف الشهر؛ لأن القمر في نصف الشهر يكون في البرج المقابل للبرج الذي فيه الشمس وتكون الأرض في الوسط فتمنع نور الشمس عن إشراقه على القمر فيُرى القمر منكسفًا؛ لأنه ليس له نور من نفسه، وإنما يكتسي النور من الشمس، ومثال ذلك:
وشرف المشتري في السرطان، وأوجه في السنبلة، ورأس جوزهره في الجوزاء، وشرف المريخ في الجدي وأوجُهُ في الأسد وجوزهره في الحمل، وشرف الزهرة في الحوت وأوجها في الجوزاء ورأس جوزهرها في الثور، وشرف عطارد في السنبلة وأوجه في الميزان وجوزهره في الحمل، وشرف القمر في الثور وأوجه في البروج متحرك يعرف موضعه ذلك من التقويم والزيج، وجملته أن القمر إذا قارن الشمسَ فهو عند الأوج أو قابلها فهو عند الأوج، وفي مقابلة شرف كل كوكب هبوطُهُ من البرج السابع مثله، وفي مقابلة الأوج الحضيض مثل ذلك، وفي مقابلة شرف رأس الجوزهر موضع الذنب من البرج السابع مثله.
الموسومة بالأسطرنوميا في علم النجوم وتركيب الأفلاك
بسم الله الرحمن الرحيم
الْحَمْدُ لِلهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ
اعلم أيها الأخ البار الرحيم، أيدك الله وإيانا بروح منه، أنَّا قد فرغنا من رسالة المدخل إلى علم الهندسة، وبيَّنا فيها الهندسة الحسية والعقلية، واستوفينا الكلام في الخطوط والأشكال والزوايا التي لا بد للمهندسين أَنْ يعرفوها، ونُريد أن نذكر في هذه الرسالة طرفًا مِن علم النجوم مثل ما فيها، فنقول:
إن علم النجوم ينقسم ثلاثةَ أقسام، قسم منها هو معرفة تركيب الأفلاك وكمية الكواكب وأقسام البروج وأبعادها وعظمها وحركاتها وما يتبعها من هذا الفن، ويسمى هذا القسم «علم الهيئة»، ومنها قسمٌ هو معرفةُ حَلِّ الزيجات وعمل التقاويم واستخراج التواريخ، وما شاكل ذلك، ومنها قسمٌ هو معرفة كيفية الاستدلال بدوران الفلك، وطوالع البروج، وحركات الكواكب على الكائنات قبل كونها تحت فلك القمر، ويسمى هذا النوع «علم الأحكام»، فنُريد أن نذكر في هذه الرسالة من كل نوع طرفًا شبه المدخل؛ كيما يسهل الطريق على المتعلمين ويقرب تناولُهُ للمبتدئين، فنقول:
أصل علم النجوم هو معرفة ثلاثة أشياء وهي الكواكب والأفلاك والبروج، فالكواكبُ أجسام كريات مستديرات مضيئات وهي ألفٌ وتسعةٌ وعشرون كوكبًا كبارًا التي أدركت بالرصد منها سبعة يقال لها: السيارة، وهي: زُحل والمشتري والمريخ والشمس والزهرة وعطارد والقمر، والباقية يُقال لها: ثابتةٌ ولكل كوكب من السبعة السيارة فلك يخصه.
والأفلاك هي أجسام كريات مشفات مجوفات، وهي تسعة أفلاك مركبة بعضها في جوف بعض كحلقة البصلة فأدناها إلينا فلك القمر وهو محيطٌ بالهواء من جميع الجهات كإحاطة قشرة البيضة ببياضها والأرض في جوف الهواء كالمح في بياضها، ومن وراء فلك القمر فلك عطارد، ومن وراء فلك عطارد فلك الزهرة، ومن وراء فلك الزهرة فلك الشمس، ومن وراء فلك الشمس فلك المريخ، ومن وراء فلك المريخ فلك المشتري، ومن وراء فلك المشتري فلك زحل، ومن وراء فلك زحل فلك الكواكب الثابتة، ومن وراء فلك الكواكب الثابتة فلك المحيط، وهذا مثال ذلك:
وذلك أن الفلك المحيطَ دائمُ الدوران كالدولاب، يدور من المشرق إلى المغرب فوق الأرض، ومن المغرب إلى المشرق تحت الأرض في كل يوم وليلة دورة واحدة ويدير سائر الأفلاك والكواكب معه، كما قال الله — عز وجل: وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ، وهذا الفلك المحيط مقسومٌ باثني عشر قسمًا كجزر البطيخة كل قسم منها يسمى بُرجًا، وهذه أسماؤُها: الحملُ والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت، فكل برج ثلاثون درجة جملتها ثلاثمائة وستون درجة وكل درجة ستون جزءًا، كل جزء يسمى دقيقة جملتها واحد وعشرون ألفًا وستمائة دقيقة، وكل دقيقة ستون جزءًا يسمى ثانية وكل ثانية ستون جزءًا وكل جزء يسمى ثالثة، وهكذا إلى الروابع والخوامس وما زاد بالغًا ما بلغ، مثال ذلك:
وهذه البروج توصف بأوصاف شتى من جهات عدة، وقبل وصفها نحتاج أن نذكر أشياء لا بد من ذِكْرها، منها: أن الزمان أربعة أقسام، وهي: الربيع والصيف والخريف والشتاء، والجهات أربعٌ، وهي: المشرق والمغرب والجنوب والشمال. والأركان أربعةٌ وهي: النارُ والهواءُ والماء والأرض. والطبائع أربعٌ وهي: الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة. والأخلاطُ أربعٌ وهي: الصفراء والسوداء والبلغم والدم. والرياح أربع وهي: الصبا والدبور والجريباء والتيماء.
(١) فصل في ذكر صفة البروج
فنقول: منها ستة شمالية وستة جنوبية وستة مستقيمة الطلوع وستة معوجة الطلوع، وستة ذكور وستة إناث وستة نهارية وستة ليلية وستة فوق الأرض وستة تحت الأرض، وستة تطلع بالنهار وستة تطلع بالليل وستة صاعدة وستة هابطة وستة يمنة وستة يسرة وستة من حيز الشمس وستة من حيز القمر.
تفصيلها: أما الستة الشمالية فهي الحمل والثور والجوزاءُ والسرطان والأسد والسنبلة، وإذا كانت الشمسُ في واحد منها يكون الليلُ أَقْصَرَ والنهار أطول، وأما الستة الجنوبية فهي الميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت، وإذا كانت الشمسُ في واحدٍ منها يكونُ الليلُ أطول والنهار أقصر، وأما المستقيمة الطلوع فهي السرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس، وكل واحد منها يطلع في أكثر من ساعتين، وإذا كانت الشمس في واحد منها تكون هابطة من الشمال إلى الجنوب ومن الأوج إلى الحضيض والليل آخذ من النهار.
وأما المعوجة الطلوع فهي الجدي والدلو والحوت والحمل والثور والجوزاء، وكل واحد منها يطلع في أقل من ساعتين، وإذا كانت الشمسُ في واحد منها تكون صاعدةً من الجنوب إلى الشمال ومن الحضيض إلى الأوج والنهار آخذٌ من الليل، وأما الستة الذكور النهارية فهي الحمل والجوزاء والأسد والميزان والقوس والدلو، وأما الستة الإناث الليلية فهي الثور والسرطان والسنبلة والعقرب والجدي والحوت.
وأما الستة التي تطلع بالنهار فهي من البرج الذي فيه الشمسُ إلى البرج السابع منها، والستة التي تطلع بالليل هي من البرج السابع إلى البرج الذي فيه الشمس، وأما الستة التي من حيز الشمس فهي من بُرج الأسد إلى برج الجدي، والستة التي من حيز القمر هي من بُرج الدلو إلى برج السرطان، ومن وجهٍ آخرَ هذه البروجُ تنقسم أربعة أقسام، منها ثلاثة ربيعيةٌ صاعدةٌ في الشمال زائدة النهار على الليل، وهي: الحمل والثور والجوزاء، وثلاثة صيفية هابطة في الشمال آخذة الليل من النهار، وهي: السرطان والأسد والسنبلة، منها ثلاثة خريفية هابطةٌ في الجنوب زائدة الليل على النهار، وهي: الميزان والعقرب والقوس، ومنها ثلاثةٌ شتويةٌ صاعدةٌ من الجنوب آخذة النهار من الليل، وهي: الجدي والدلو والحوت.
وتنقسم هذه البروج من جهة أُخرى أربعة أقسام ثلاثةٌ منها مثلثات ناريات حارات يابسات شرقيات على طبيعة واحده، وهي: الحمل والأسد والقوس، وثلاثة منها مثلثات ترابيات باردات يابسات جنوبيات على طبيعة واحدة، وهي: الثور والسنبلة والجدي، وثلاثة منها مثلثات هوائيات حارات رطبات غربيات على طبيعة واحدة وهي: الجوزاء والميزان والدلو، ومنها مثلثات مائيات باردات رطبات شماليات على طبيعة واحدة، وهي: السرطان والعقرب والحوت، وكذلك من جهة أُخرى تنقسم هذه البروجُ ثلاثة أثلاث، أربعة منها منقلبة الزمان، وهي: الحمل والسرطان والميزان والجدي، وأربعة منها ثابتة الزمان وهي: الثور والأسد والعقرب والدلو، وأربعة منها ذوات الجسدين وهي: الجوزاء والسنبلة والقوس والحوت.
فقد بَانَ بهذا الوصف في هذا الشكل أن لو كانت البروج أكثر من اثني عشر أو أقل من ذلك لَمَا استمرت فيه هذه الأقسام على هذا الوجه الذي ذكرنا، فإذا بواجب الحكمة كانت اثني عشر؛ لأن الباري — جَلَّ ثناؤُهُ — لا يفعل إلا الأحكم والأتقن، ومن أجل هذا جعل الأفلاك كريات الشكل؛ لأن هذا الشكل أفضل الأشكال، وذلك أنه أوسعها وأبعدها من الآفات وأسرعها حركة ومركزُهُ في وسطه وأقطارُهُ متساوية ويحيط به سطحٌ واحد ولا يماس غيره إلا على نقطة ولا يوجد في شكل غيره هذه الأوصاف، وجعل أيضًا حركته مستديرة؛ لأنها أفضل الحركات، وهذه البروجُ الاثنا عشر تنقسم بين هذه الكواكب السبعة السيارة من عدة وجوه، ولها فيها أقسامٌ وخطوطٌ من وجوه شتى، فمنها البيت والوبال، ومنها الأوج والحضيض، ومنها الشرف والهبوط، ومنها الجوزهر يعني: الرأس والذنب، ومنها ربوبية المثلثات، ومنها ربوبيةُ الوجوه، ومنها ربوبيةُ الحدود، ومنها ربوبيةُ النوبهرات، ومنها ربوبية الاثنَي عشريات، ومنها ربوبيةُ مواضع السهام، وغير ذلك، وأن هذه الكواكب السيارة كالأرواح، والبُرُوج لها كالأجساد.
(٢) فصل في ذِكْر البيوت والوبال
فنقول: اعلم أَنَّ الأسد بيتُ الشمس والسرطان بيت القمر والجوزاء والسنبلة بيتا عطارد والثور والميزان بيتا الزهرة والحمل والعقرب بيتا المريخ والقوس والحوت بيتا المشتري والجدي والدلو بيتا زحل، ولكُلِّ واحدٍ مِنْ هذه الكواكب الخمسة بيتٌ مِنْ حيز الشمس وبيتٌ مِنْ حيز القمر، ووبال كل كوكب في مقابلة بيته، وهذه الكواكبُ لبعضها في بيوت بعض مواضعُ مخصوصةٌ، فمنها الشرف والهبوط ومنها الأوج والحضيض ومنها الجوزهر، مثال ذلك:
تفسيرُ ذلك: فأما الشرفُ فهو أَعَزُّ موضع للكواكب في الفلك والهبوط ضده، والأوج أعلى موضع للكواكب في الفلك والحضيض ضده، فشرفُ الشمس في الحمل وهو بيت المريخ وأوجها في الجوزاء بيت عطارد وشرف زحل في الميزان بيت الزهرة وأوجه في القوس بيت المشتري وجوزهره في السرطان بيت القمر. ومعنى الجوزهر: تقاطُع طريق الكواكب لطريق الشمس بممرها في البُرُوج في موضعين؛ أحدهما يُسَمَّى رأس الجوزهر والآخر ذنب الجوزهر، وذلك أن زحل إذا سار في البروج يكونُ مسيرُهُ في ستة أبراج عن يمنة طريق الشمس ثم يعبر إلى الجانب الآخر ويسير ستة أبراج عن يسرة طريق الشمس، فيحدث لطريقها تقاطعٌ في موضعين أحدُهُما يسمى الرأس والآخر الذنب، وهذا مثاله:
ولكل كوكب من الخمسة السيارة جوزهر مثل ما لزحل مذكور ذلك في الزيجات، وأما المذكور في التقاويم فهو الذي للقمر، ويقال لهما أيضًا: العقدتان، وإنما اختص ذكرهما في التقاويم؛ لأنهما ينتقلان في البروج والدرج ولهما سير كسير الكواكب ولهما دلالة كدلالة الكواكب.
وإذا اجتمع الشمسُ والقمر في وقتٍ من الأوقات عند أحدهما في برج واحد ودرجةٍ واحدة انكسفت الشمس، ولا يكون ذلك إلا في آخر الشهر؛ لأن القمر يصير محاذيًا لموضع الشمس من البرج والدرجة فيمنع نور الشمس عن أبصارنا فنراها منكسفة مثل ما تَمنع قطعة غيم عن أبصارنا نور الشمس إذا مرت محاذية لأبصارنا ولعين الشمس، وإذا كانت الشمس عند أحدهما وبلغ القمر إلى الآخر انكسف القمر ولا يكون كسوف القمر إلا في نصف الشهر؛ لأن القمر في نصف الشهر يكون في البرج المقابل للبرج الذي فيه الشمس وتكون الأرض في الوسط فتمنع نور الشمس عن إشراقه على القمر فيُرى القمر منكسفًا؛ لأنه ليس له نور من نفسه، وإنما يكتسي النور من الشمس، ومثال ذلك:
وشرف المشتري في السرطان، وأوجه في السنبلة، ورأس جوزهره في الجوزاء، وشرف المريخ في الجدي وأوجُهُ في الأسد وجوزهره في الحمل، وشرف الزهرة في الحوت وأوجها في الجوزاء ورأس جوزهرها في الثور، وشرف عطارد في السنبلة وأوجه في الميزان وجوزهره في الحمل، وشرف القمر في الثور وأوجه في البروج متحرك يعرف موضعه ذلك من التقويم والزيج، وجملته أن القمر إذا قارن الشمسَ فهو عند الأوج أو قابلها فهو عند الأوج، وفي مقابلة شرف كل كوكب هبوطُهُ من البرج السابع مثله، وفي مقابلة الأوج الحضيض مثل ذلك، وفي مقابلة شرف رأس الجوزهر موضع الذنب من البرج السابع مثله.
تعليق