الجزء الأول
الرسالة الرابعة
في الجغرافيا
بسم الله الرحمن الرحيم
الرسالة الرابعة في جغرافيا يعني صورة الأرض والأقاليم من رسائل إخوان الصفاء — صان الله أقدارهم.
ما لله سر إلا وهو ظاهرٌ على ألسنة خلقه، ولا له ستر أثخن من جهلهم به؛ لأنه لا يعلم ما هو إلا هو وإلى ربك المُنتهى، منه بدأ وإليه يعود، ثم إليه تُرجعون، فوجد الله عنده فوقاه حسابه الباري، وحده قبل كثرة كل إنسان، وحده بعد كل كثرة، وكل كثرة فعن الواحد بدأت وإليه تعود، وكل الموجودات فمن الباري بدأت وإليه تعود، يا ابن آدم أنا الله حي لا يموت، إن أطعتني وقبلت وصيتي جعلتك حيًّا لا تموت، يا ابن آدم أنا الله أقول للشيء: كن فيكون، أطعني أجعلك تقول للشيء: كن فيكون.
من أجل أن مذهب إخواننا، أيدهم الله وإيانا بروح منه، هو النظر في جميع الموجودات والبحث عن مبادئها وعن علة وجدانها وعن مراتب نظامها والكشف عن كيفية ارتباط معلولاتها بعللها بإذن باريها جل ثناؤه؛ احتجنا إلى أن نذكر حال الأرض وكيفية صورتها وسبب وقوفها في مركز العالم؛ وذلك أن المعرفة بحالها وبكيفية وقوفها في الهواء من العُلُوم الشريفة؛ لأن عليها وقوف أجسامنا ومنها بدأ كَوْن أجسادنا ونشوئها ومادة بقائها، وإليها عودها عند مفارقتها نفوسها.
وأيضًا فإن النظر في هذا العالم يكون سببًا لترقي هِمم نفوسنا إلى عالم الأفلاك، مسكن العليين، ويكثر جولان أفكارنا في محل الروحانيين، وكثرة أفكارنا في عالم الأفلاك تكون سببًا لانتباه نفوسنا من نوم الغفلة ورقدة الجهالة، ويدعوها ذلك إلى الانبعاث من عالم الكون والفساد إلى عالم البقاء والدوام، ويرغبها في الرحلة من عالم الأجساد وجوار الشياطين إلى عالم الأرواح وجوار الملائكة المقربين، وقد ذكرنا في هذه الرسالة طرفًا من كيفية صورة الأرض وصفة الربع المسكون منها، وما فيه من الأقاليم السبعة، ومن البحار والجبال والبراري والأنهار والمدن؛ ليكون طريقًا للمبتدئين بالنظر في علم الهيئة وتركيب الأفلاك وطوالع البروج ودوران الكواكب، ويقرب تصورها في أفكار المتعلمين، ويسهل تأملها للمتفكرين في ملكوت السماوات والأرض الذين يقولون: رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، وقال الله تعالى: وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ، وقال: وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ.
(١) فصل في صفة الأقاليم وما في الربع المسكون من الأرض مع ما فيها من الجبال والبحار والبراري والأنهار والمدن وما في البحار من الجزائر والمدن
وقبل وصفها نحتاج أن نذكر صفة الأرض وجهاتها الست وكيفية وقوفها في الهواء، أما الجهات فهي الشرق والغرب والجنوب والشمال والفوق والأسفل، فالشرق من حيث تطلع الشمس، والغرب من حيث تغرب الشمس، والجنوب من حيث مدار سهيل، والشمال من حيث مدار الجدي والفرقدين، والفوق مما يلي السماء، والأسفل مما يلي مركز الأرض.
والأرض جسمٌ مدور مثل الكرة وهي واقفةٌ في الهواء بأن الله يجمع جبالها وبحارها وبراريها وعماراتها وخرابها، والهواء محيط بها من جميع جهاتها شرقها وغربها وجنوبها وشمالها ومن ذا الجانب ومن ذلك الجانب، وبعد الأرض من السماء من جميع جهاتها متساوٍ، وأعظم دائرة في بسيط الأرض ٢٥٤٥٥ ميلًا ٦٨٥٥ فرسخًا، وقطر هذه الدائرة هو قطر الأرض ٦٥٥١ ميلًا ٢١٦٧ فرسخًا بالتقريب، ومركزها هي نقطة متوهَّمة في عمقها على نصف القطر وبعدها من ظاهر سطح الأرض ومن سطح البحر من جميع الجهات متساوٍ؛ لأن الأرض بجميع البحار التي على ظهرها كرة واحدة.
وليس شيء من ظاهر سطح الأرض من جميع جهاتها هو أسفل الأرض — كما يتوهم كثير من الناس ممن ليس له رياضة بالنظر في علم الهندسة والهيئة — وذلك أنهم يتوهمون ويظنون بأن سطح الأرض من الجانب المقابل لموضعنا هو أسفلُ الأرض، وأن الهواء المحيط بذلك الجانب هو أيضًا أسفل من الأرض، وأن النصف من فلك القمر المحيط بالهواء هو أيضًا أسفل من الهواء، وهكذا سائر طبقات الأفلاك كل واحد أسفل من الآخر حتى يلزم أن أسفل السافلين هو نصفُ الفلك المحيط الذي هو أعلى عليين في دائم الأوقات.
وليس الأمر كما توهموا؛ لأن هذا رأيٌ يتعقله الإنسان من الصبا بالتوهُّم بغير رَوِيَّةٍ ولا برهان، فإذا ارتاض الإنسان في علم الهيئة والهندسة تبين له أن الأمر بخلاف ما توهم قبل، وذلك أن أسفل الأرض بالحقيقة هو نقطةٌ وهميةٌ في عمق الأرض على نصف قطرها وهو الذي يسمى مركز العالم، وهو عمق باطنها مما يلي مركزها من أي جانب كان من الأرض؛ لأن مركز الأرض هو أسفلُ السافلين، فأما سطحها الظاهر المماس للهواء، وسطح البحار من جميع الجهات فهو فوق، والهواء المحيط أيضًا من جميع الجهات.
وفلك القمر هو فوق فلك الهواء، وفلك عطارد هو فوق فلك القمر، وعلى هذا القياس سائر الأفلاك، واحدٌ فوق الآخر إلى الفلك التاسع الذي هو فوق كل فوق، وهو أعلى عليين، ومقابله مركز الأرض أسفل السافلين.
واعلم يا أخي أن الإنسان أي موضع وقف على سطح الأرض، من شرقها أو غربها أو جنوبها أو شمالها، أو من هذا الجانب أومن ذلك الجانب، وقوفه حيث كان، فقدمه أبدًا يكون فوق الأرض ورأسه إلى فوق مما يلي السماء، ورجلاه أسفل مما يلي مركز الأرض، وهو يرى من السماء نصفها، والنصف الآخر يستره عنه حدبة الأرض، فإذا انتقل الإنسان من ذلك الموضع إلى الموضع الآخر ظهر له من السماء مقدارُ ما خفي عنه من الجهة الأُخرى، وذلك المقدار كل تسعة عشر فرسخًا درجة، وكل فرسخ ثلاثة أميال، كل ميل أربعة آلاف ذراع، كل ذراع ست قبضات، كل قبضة أربع أصابع، كل إصبع ست شعيرات.
ذكر وُقُوف الأرض في وسط الهواء وسببه
وأما سبب وقوف الأرض في وسط الهواء ففيه أربعة أقاويل؛ منها ما قيل إن سبب وقوفها هو جذب القلب لها من جميع جهاتها بالسوية فوجب لها الوقوف في الوسط لما تساوت قوة الجذب من جميع الجهات.
ومنها ما قيل: إنه الدفع بمثل ذلك فوجب لها الوقوف في الوسط لما تساوت قوة الدفع من جميع الجهات، ومنها ما قيل: إن سبب وقوفها في الوسط هو جذب المركز لجميع أجزائها من جميع الجهات إلى الوسط؛ لأنه لما كان مركز الأرض مركز الفلك أيضًا وهو مغناطيس الأثقال يعني مركز الأرض وأجزاء الأرض لما كانت كلها ثقيلة؛ انجذبت إلى المركز وسبق جزء واحد وحصل في المركز، ووقف باقي الأجزاء حولها يعني حول النقط؛ يطلب كل جزء منها المركز، فصارت الأرض بجميع أجزائها كرة واحدة بذلك السبب، ولما كانت أجزاء الماء أخف من أجزاء الأرض وقف الماء فوق الأرض، ولما كانت أجزاء الهواء أخف من أجزاء الماء صار الهواء فوق الماء، والنار لما كانت أجزاؤها أخف من أجزاء الهواء صارت في العلو مما يلي فلك القمر.
والوجهُ الرابعُ ما قيل في سبب وقوف الأرض في وسط الهواء هو خصوصية الموضع اللائق بها؛ وذلك أن الباري — عز وجل — جعل لكل جسم من الأجسام الكليات يعني: النار والهواء والماء والأرض موضعًا مخصوصًا هو أَلْيَقُ المواضع به، وهكذا القمر وعطارد والزهرة والشمس والمريخ والمشتري وزحل، جعل لكل واحد منها موضعًا مخصوصًا في فلكه هو ثابت فيه والفلك يديره معه.
وهذا القولُ أشبهُ الأقاويل بالحق؛ لأن هذه العلة مستمرةٌ في ترتيب الأفلاك السبعة والكواكب الثابتة والسيارة والأركان الأربعة؛ أعني: النار والهواء والماء والأرض، وذلك أن الله — تبارك وتعالى — جعل لكل موجود من الموجودات موضعًا يختص به دون سائر المواضع أو رتبة معلومة هي أَلْيَقُ به من سائر المراتب.
صفة الأرض وقسمة أرباعها
الأرضُ نصفُها مغطًّى بالبحر الأعظم المحيط والنصف الآخر مكشوفٌ؛ مثلها مثل بيضة غائصة نصفها في الماء والنصف الآخر ناتئٌ من الماء، وهذا النصف المكشوفُ نصفٌ منه خرابٌ مما يلي الجنوب من خط الاستواء، والنصف الآخر الذي هو الربع المسكون مما يلي الشمال من خط الاستواء، وخط الاستواء هو خطٌّ متوهَّم، ابتداؤه من المشرق إلى المغرب تحت مدار رأس برج الحمل، والليل والنهار أبدًا على ذلك الخط متساويان، والقطبان هنالك ملازمان للأفق؛ أحدهما مما يلي مدار سهيل في الجنوب، والآخر في الشمال مما يلي الجدي، وهذا مثال ذلك:
صفة الربع المسكون من الأرض
وفي هذا الربع الشمالي المسكون من الأرض سبعة أبحُر كبار، وفي كل بحر منها عدة جزائر، تكسير كل جزيرة منها عشرون فرسخًا إلى مائة فرسخ إلى ألف فرسخ، فمنها بحر الروم، وفيه نحو خمسين جزيرة، ومنها بحرُ الصقالبة وفيه نحوٌ مِن ثلاثين جزيرة، ومنها بحر جرجان وفيه خمس جزائر، ومنها بحر القلزم وفيه نحو من خمس عشرة جزيرة، ومنها بحر فارس وفيه سبع جزائر، ومنها بحر السند والهند وفيه نحو من ألف جزيرة، ومنها بحر الصين وفيه نحو من مائتي جزيرة.
وفي هذا الربع أيضًا خمس عشرة بحيرة صغارًا، تكسير كل واحدة من عشرين فرسخًا إلى مائة فرسخ إلى ألف فرسخ، منها مالح ومنها عذب، وأما بحر الغرب وبحر يأجوج ومأجوج وبحر الزنج وبحر الزانج والبحر الأخضر والبحر المحيط فخارجٌ عن هذا الربع المسكون، وكل واحد من هذه الأبحُر شعبة وخليج من البحر المحيط وكلها مالح، وفي هذا الربع أيضًا مقدار مائتي جبل طوال، منها ما طوله من عشرين فرسخًا إلى مائة فرسخ إلى ألف فرسخ، مختلف الألوان، ومنها ما يمتد طولُهُ من المشرق إلى المغرب، أو من الجنوب إلى الشمال، ومنها ما يتنكب ما بين المشرق والجنوب، ومنها ما يتنكب ما بين المشرق والشمال، ومنها ما هو بين العمران والمدن والقرى، ومنها ما هو في البراري والقفار، ومنها ما هو في الجزائر والبحار.
وفي هذا الربع أيضًا مقدار مائتين وأربعين نهرًا؛ طول كل نهر منها من عشرين فرسخًا إلى مائة فرسخ إلى ألف فرسخ، فمنها ما جريانه من المشرق إلى المغرب، ومنها ما جريانه من الغرب إلى الشرق، ومنها من الشمال إلى الجنوب، ومنها من الجنوب إلى الشمال، ومنها ما يتنكب من هذه الجهات.
وكل هذه الأنهار تبتدئ من الجبال وتنتهي إلى البحار في جريانها وإلى البطائح والبحيرات، وتسقي في ممرها المدن والقرى والسوادات، وما يفضل من مائها ينصب إلى البحار ويختلط بماء البحر ثم يصير بخارًا ويصعد في الهواء وتتراكم منه الغيوم وتسوقه الرياح إلى رءوس الجبال والبراري، ويمطر هناك ويسقي البلاد وتجري الأودية والأنهار ويرجع إلى البحار من الرأس، وذلك دأبها في الشتاء والصيف، ذلك تقدير العزيز العليم.
وفي هذا الربع سبعة أقاليم، تحتوي على سبعة عشر ألف مدينة كبيرة، يملكها نحو من ألف ملك، كل هذه في ربع واحد من بسيط الأرض، وأما ثلاثة أرباعها الباقية فحكمها غير هذا.
صفة الأقاليم السبعة
الأقاليم هي سبعة أقسام، خُطَّت في الربع المسكون من الأرض، كل إقليم منها كأنه بساط مفروش قد مد طوله من المشرق إلى المغرب، وعرضه من الجنوب إلى الشمال، وهي مختلفةُ الطول والعرض، فأطولها وأعرضها الإقليمُ الأولُ؛ وذلك أن طوله من المشرق إلى المغرب نحو من ثلاثة آلاف فرسخ، وعرضه من الجنوب إلى الشمال نحو مائة وخمسين فرسخًا، وأقصرها طولًا وعرضًا الإقليم السابع؛ وذلك أن طوله من المشرق إلى المغرب نحو ألف وخمسمائة فرسخ، وعرضه من الجنوب نحو من سبعين فرسخًا، وأما سائرُ الأقاليم ففيما بينهما من الطول والعرض، وهذا مثال ذلك، والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب:
فصل
واعلم أيها الأخ البار الرحيم، أيدك الله وإيانا بروح منه، أن هذه الأقاليم السبعة ليست هي أقسامًا طبيعية، وكأنها خطوط وهمية وضعتها الملوك الأولون الذين طافوا الربع المسكون من الأرض لتعلم حدود البلدان والممالك والمسالك؛ مثل: أفريذون النبطي وتبع الحميري وسليمان بن داود الإسرائيلي — عليهما السلام — والإسكندر اليوناني وأزدشير بن بابك الفارسي؛ ليعلموا بها حدود البلدان والمسالك والممالك، وأما ثلاثة أرباعها الباقية فمنعهم من سلوكها الجبال الشامخة والمسالك الوعرة والبحار الزاخرة والأهوية المتغيرة المفرطة التغير من الحر والبرد والظلمة؛ مثل ما في ناحية الشمال تحت مدار الجدي، فإن هناك بردًا مفرطًا جدًّا؛ لأنه ستة أشهر يكون الشتاء هناك ليلًا كله، فيظلم الهواء ظلمة شديدة وتجمد المياه بشدة البرودة ويتلف الحيوان والنبات.
وفي مقابل هذا الموضع في ناحية الجنوب؛ حيث مدار سهيل يكون نهارًا كله ستة أشهر صيفًا فيحمى الهواء ويصير نارًا سمومًا ويحترق الحيوان والنبات من شدة الحر، فلا يمكن السكنى ولا السلوك هناك.
وأما ناحية المغرب فيمنع السلوك فيها البحر المحيط؛ لتلاطم أمواجه وشدة ظلماته، وأما ناحية المشرق فيمنع السلوك هناك الجبال الشامخة، فإذا تأملت وجدت الناس محصورين في الربع المسكون من الأرض، وليس لهم علم بالثلاثة أرباع الباقية.
واعلم أن الأرض بجميع ما عليها من الجبال والبحار بالنسبة إلى سعة الأفلاك ما هي إلا كالنقطة في الدائرة، وذلك أن في الفلك ألفًا وتسعة وعشرين كوكبًا، أصغر كوكب منها مثل الأرض ثماني عشرة مرة، وأكبرها مائة وسبع مرات، فلشدة البعد وسعة الأفلاك تراها كأنها الدر المنثور على بساط أخضر، فإذا فكر الإنسان في هذه العظمة تبين له حكمة الصانع وجلالة عظمته، فينتبه من نوم الغفلة ورقدة الجهالة، ويعلم أنه ما خلق هذه الأشياء إلا لأمر عظيم، وذلك قوله تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ.
(٢) فصل في الحث على النظر في الأرض للاعتبار
اعلم يا أخي بأن من دخل الدنيا وعاش فيها زمانًا طويلًا مشغولًا بالأكل والشرب والنكاح؛ دائبًا في طلب الشهوات والحرص على جمع المال والأثاث واتخاذ البنيان وعمارة الأرض والعقارات وطلب الرياسة، متمنيًا الخلود فيها، تاركًا لطلب العلم، غافلًا عن معرفة حقائق الأشياء، مهملًا لرياضة النفس، متوانيًا في الاستعداد للرحلة إلى الدار الآخرة، حتى إذا فني العمر وقرب الأجل وجاءت سكرة الموت التي هي مفارقة النفس الجسد، ثم خرج من هذه الدار جاهلًا لم يعرف صورتها ولم يفكر في الآيات التي في آفاقها، ولا اعتبر أحوال مجوداتها، ولا تأمل الأُمُور المحسوسة التي شاهد فيها؛ فمثلهم مثل قوم دخلوا إلى مدينةِ ملكٍ عظيمٍ حكيم عادل رحيم قد بناها بحكمته، وأعد فيها من طرائف صنعته ما يقصر الوصف عنها إلا بالمشاهدة لها، ووضع فيها مائدة قوتًا للواردين إليها وزادًا للراحلين عنها، ثم دعا عبادًا له إلى حضرته ليمنحهم بالكرامة، وأمرهم بالورود إلى تلك المدينة في طريقهم؛ لينظروا إليها ويبصروا ما فيها، ويتفكروا في عجائب مصنوعاته ويعتبروا غرائب مصوراته؛ ليروض بها نفوسهم، فيصيرون برؤيتها ومعرفتها حكماء أخيارًا فضلاء، فيصلون إلى حضرته ويستحقون كرامته.
فوردها قوم ليلًا فباتوا طول ليلتهم مشغولين بالأكل والشرب واللعب واللهو، ثم خرجوا منها سحرًا لا يدرون من أي باب دخلوا ولا من أيها خرجوا ولا رأوا مما فيها شيئًا من آثار حكمته وغرائب صنعته، ولا انتفعوا بشيء منها أكثر من تمتعهم تلك الليلة بالأكل والشرب وحسب.
فهكذا حكم أبناء الدنيا الواردين إليها جاهلين، الماكثين فيها متحيرين مكرهين، المنكرين أمر الدار الآخرة، الراحلين عنها كما قال الله — جل ثناؤه: وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا، وقال ذمًّا لهم: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ بأمر الآخرة، فأعيذك أيها الأخ البار الرحيم أن تكون منهم، بل كن من الذين مدحهم — عز وجل — فقال جل ثناؤه: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وحكى قولهم لما تمنوا عرض الدنيا حين قال: يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ، وقال الذين أوتوا العلم بحقيقة أمر الآخرة: وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ، وفقك الله أيها الأخ البار الرحيم للسداد، وهداك للرشاد وجميع إخواننا حيث كانوا في البلاد.
وإذ قد فرغنا من ذِكْر الأرض ووصفنا الربع المسكون؛ نريد أن نذكر الأقاليم السبعة، ونبين حدودها طولًا وعرضًا وما في كل إقليمٍمن المدن الكبار والجبال والأنهار الطوال.
فاعلم أيها الأخ البار الرحيم، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن حدود الأقاليم معتبرة بساعات النهار وتفاوت الزيادة فيها؛ وبيان ذلك أنه إذا كانت الشمس في أول برج الحمل كان طول الليل والنهار وساعاتهما تتساوى في هذه الأقاليم كلها، فإذا سارت الشمس في درجات برج الحمل والثور والجوزاء اختلفت ساعات نهار كل إقليم؛ حتى إذا بلغت آخر الجوزاء الذي هو أول السرطان صار طُول النهار في وسط الإقليم الأول ثلاث عشرة ساعة، وفي وسط الإقليم الثاني ثلاث عشرة ساعة ونصفًا، وفي وسط الإقليم الثالث أربع عشرة ساعة، وفي وسط الإقليم الرابع أربع عشرة ساعة ونصفًا، وفي وسط الإقليم الخامس خمس عشرة سواء، وفي وسط الإقليم السادس خمس عشرة ونصفًا، وفي وسط الإقليم السابع ست عشرة سواء، وفي المواضع التي عرضها ست وستون درجة وما زاد إلى تسعين درجة يصير نهارًا كله، وشرح كيفيتها طويل مذكور في المجسطي.
واعلم أن معنى كل طول بلدة ومدينة هو بعدها من أقصى المغرب، ومعنى عرضها هو بعدها من خط الاستواء، وخط الاستواء هو الموضع الذي يكون الليل والنهار هناك أبدًا متساويين، فكل مدينة على ذلك الخط فلا عرض لها، وكل مدينة في أقصى المغرب فلا طول لها أيضًا، ومن أقصى المغرب إلى أقصى المشرق مائة وثمانون درجة، مقدار كل درجة تسعة عشر فرسخًا، وكل مدينة طولها تسعون درجة فهي في وسط من المشرق والمغرب، وما كان أكثر فهي إلى المشرق أقرب، وما كان أقل فهي إلى المغرب أقرب، وكل مدينتين إحداهما أكبر طولًا وعرضًا فهي إلى المشرق والشمال أقرب من الأخرى، والتفاوت الذي يكون بينهما في العرض كل درجة تسعة عشر فرسخًا بالتقريب، وأما تفاوتهما في الطول فمختلف، فما كان منها على خط الاستواء، فكل درجة في الطول تسعة عشر فرسخًا، وما كان في الإقليم الأول فكل درجة سبعة عشر فرسخًا، وما كان في الثاني فكل درجة خمسة عشر فرسخًا، وفي الثالث كل درجة ثلاثة عشر فرسخًا، وفي الرابع كل درجة عشرة فراسخ، وفي الخامس كل درجة سبعة فراسخ، وفي السادس كل درجة خمسة فراسخ، وفي السابع كل درجة ثلاثة فراسخ.
«أسماء المدن الكبار» التي ليست في الأقاليم السبعة، وهي كل مدينة عرضها أقل من اثنتي عشرة درجة مما يلي خط الاستواء أولها مما يلي الشرق:
الإقليم الأول لزحل، وطوله من المشرق إلى المغرب ٩٥٥٥ ميلًا، ٣١٨٥ فرسخًا، وعرضه من الجنوب إلى الشمال ٤٤٥ ميلًا، ١٤٦ فرسخًا، وحَدُّهُ الأول مما يلي خط الاستواء؛ حيث يكون ارتفاع القطب الشمالي ثلاث عشرة درجة غير ربع، وساعات نهاره الأطول؛ اثنتا عشرة ساعة ونصف وربع، ووسطه حيث يكون ارتفاع القطب عن الأفق ست عشرة درجة وثلثي درجة، وساعات نهاره الأطول ثلاث عشرة ساعة، وحَدُّهُ الثاني حيث يكون ارتفاعُ القطب عشرين درجة ونصفًا، وطولُ نهاره الأطول ثلاث عشرة ساعة وربع.
وفي هذا الإقليم من الجبال الطوال نحو من عشرين جبلًا، منها ما طوله من عشرين فرسخًا إلى مائة فرسخ إلى ألف فرسخ، وفيه أيضًا مقدار ثلاثين نهرًا طوالًا، منها ما طولُهُ من عشرين فرسخًا إلى مائة فرسخ إلى ألف فرسخ، وفيه من المدن المعروفة الكبار نحوٌ مِن خمسين مدينة، وابتداء هذا الإقليم من المشرق على شمال جزيرة الياقوت، فيمر على بلاد الصين مما يلي الجنوب.
ثم يمر على شمال بلد سرنديب، ثم يمر على وسط بلاد الهند، ثم يمر على وسط بلاد السند، ثم يقطع بحر فارس مما يلي الجنوب بلاد عمان، ثم يمر على وسط بلاد الشحر، ثم يمر على وسط بلاد اليمن، ثم يقطع بحر القلزم هناك، ويمر على وسط بلاد الحبشة، ويقطع نيل مصر هناك، ثم يمر على بلاد النوبة، ثم يمر على وسط بلاد البربر وبلاد البواي، ثم يمر على جنوب بلاد مرطانة، وينتهي إلى بحر المغرب، وعامة أهل هذه البلدان سُود.
«أسماء المدن الكبار» التي في هذه الأقاليم، وهي كل مدينة عرضها من ثلاث عشرة درجة إلى عشرين درجة، فأولها ما يلي المشرق:
.
.
.
الإقليم الثاني للمشتري وطوله من المشرق إلى المغرب ٧٦٥٥ ميلًا وعرضه من الجنوب إلى الشمال ٦٠٠ ميل وحده الأول مما يلي إقليم زحل ٤٠؛ حيث يكون ارتفاع القطب عشرين درجة ونصفًا، فطول نهاره الأطول ثلاث عشرة ساعة وربع، ووسطه حيث يكون ارتفاعُ القطب أربعًا وعشرين درجة وست دقائق، ونهاره الأطول ثلاث عشرة ساعة ونصف، وحَدُّهُ الثاني حيث يكون ارتفاع القطب من الأفق سبعًا وعشرين درجة ونصفًا ونهاره الأطول ثلاث عشرة ساعة ونصف وربع.
وفي هذا الإقليم من الجبال الطوال نحوٌ من سبعة عشر ميلًا، ومن الأنهار الطوال من ذلك، ومن المدن المعروفة الكبار نحوٌ مِن خمسين مدينة، وابتداءُ هذا الإقليم من المشرق، ويمر على وسط بلاد الصين، ثم يمر على شمال بلاد سرنديب، ثم يمر على بلاد الهند مما يلي الشمال، ثم يمر على بلاد قندهار، ثم يمر على وسط كابل وشمال بلاد السند وجنوب بلاد مكران، ثم يقطع بحر فارس ويمر على بلاد عمان، ثم يمر على وسط بلاد العرب، ثم يقطع بحر القلزم، ويمر على شمال بلاد الحبشة وجنوب بلاد صعيد مصر، فيقطع نيل مصر هناك، ثم يمر على وسط بلاد الزقة وأفريقية، ثم يمر على شمال بلاد البربر وجنوب بلاد القيروان، ثم يمر على وسط بلاد مرطانة، وينتهي إلى بحر المغرب، وأكثر أهل هذه البلدان ألوانُهُم من بين السمرة إلى السواد.
فمن المدن الكبار التي في هذا الإقليم أولها مما يلي المشرق في أقصى بلاد الصين، وهو كل مدينة عرضها من ك إلى كرك وأولها مما يلي المشرق:
.
.
.
الإقليم الثالث للمريخ، وطوله من المشرق إلى المغرب ٨٢٥٥ ميلًا، وعرضه من الجنوب إلى الشمال ٣٥٥ ميلًا، وحده من سبع وعشرين درجة ونصف إلى ثلاث وثلاثين درجة وثلاثين دقيقة، ووسطه حيث يكون ارتفاع القطب عن الأفق ثلاثين درجة ونصفًا وخمسًا، ونهارُهُ الأطولُ أربع عشرة ساعة سواء، وفي هذا الإقليم من الجبال الطوال ثلاثة وثلاثون جبلًا، ومن الأنهار الطوال اثنان وعشرون نهرًا، ومن المدن المعروفة الكبار مائة وثمان وعشرون مدينة.
وابتداء هذا الإقليم من المشرق، فيمر على شمال بلاد الصين وجنوب بلاد يأجوج، ثم يمر على شمال بلاد الهند وجنوب بلاد الترك، ثم يمر على وسط كابل، ثم على بلاد قندهار، ثم على بلاد مكران، ثم على جنوب بلاد سجستان، ثم يمر على وسط بلاد كرمان، ثم يمر على بلاد فارس مما يلي البحر، ثم يمر على بلاد العراق مما يلي الجنوب، ثم يمر على جنوب بلاد ديار بكر وشمال بلاد العرب، ثم يمر على وسط الشام، ثم يمر على بلاد مصر، ويمر على بلاد الإسكندرية، ثم يمر على وسط بلاد مرماريق، ثم يمر على وسط بلاد القادسية وعلى وسط بلاد القيروان، ثم يمر عن بلاد طنجة، وينتهي إلى بحر المغرب؛ وأكثر أهل هذه البلدان سمر.
«أسماء المدن التي في الإقليم الثالث» وهي كل مدينة عرضها من «كرك إلى الحرم» أولها مما يلي المشرق:
.
.
.
الإقليم الرابع للشمس، طوله من المشرق إلى المغرب ٧٨٥٥ ميلًا، وعرضه من الجنوب إلى الشمال ٣٥٥ ميلًا، وحَدُّهُ من ثلاث وثلاثين درجة وثلاثين دقيقة إلى تسع وثلاثين درجة، ووسطُهُ حيث يكون ارتفاعُ القطب عن الأفق ستًّا وثلاثين درجة وخمسين دقيقة، ونهارُهُ الأطولُ أربع عشرة ساعة ونصف، وفي هذا الإقليم من الجبال الطوال خمسةٌ وعشرون جبلًا، ومن الأنهار الطوال اثنان وعشرون نهرًا، ومن المدن المعروفة الكبار نحوٌ من مائتين واثنتي عشرة مدينة.
وابتداء هذا الإقليم من المشرق فيمر على شمال بلاد الصين وجنوب بلاد يأجوج ومأجوج، ثم يمر على الترك مما يلي الجنوب وشمال بلاد الهند وطخارستان ثم يمر على شمال بلاد بلخ باسيان، ثم يمر على شمال بلاد مكران، ثم يمر على وسط بلاد سجستان، ثم بلاد كرمان، ثم بلاد فارس، ثم بلاد خوزستان، ثم يمر على وسط بلاد العرق، ثم يمر على وسط ديار ربيعة وديار بكر، ثم يمر على جنوب بلاد الثغر وشمال بلاد الشام، ويمر على وسط بحر الروم وجزيرة قبرص، ويمر في البحر على شمال بلاد مصر والإسكندرية، ثم يمر على جزيرة صقلية وشمال بلاد مرماريقي وبلاد القادسية وبلاد القيروان وبلاد طنجة، وينتهي إلى بحر المغرب.
وأكثرُ أهل هذه البلدان ألوانُهُم ما بين السمرة والبياض، وهذا الإقليم هو إقليمُ الأنبياء والحكماء؛ لأنه وسط لأقاليم، ثلاثةٌ منها جنوبية وثلاثةٌ شمالية، وهو أيضًا قسمة الشمس النير الأعظم، وأهل هذا الإقليم أعدلُ الناس طباعًا وأخلاقًا، ثم بعده الإقليمان اللذان عن جنبيه؛ أعني: الثالث والخامس، فأما الأقاليم الباقية فأهلها ناقصون عن طبيعة الأفضل؛ لأن صورهم سمجة وأخلاقهم وحشية مثل الزنج والحبشة، وأكثر الأمم الذين هم في الإقليم الأول والثاني وكذلك الأمم الذين هم في الإقليم السادس والسابع مثل يأجوج ومأجوج والبلغار والصقالبة وأمثالهم، وهي كل مدينة عرضها من لح م إلى لط:
.
.
الإقليم الخامس للزهرة وطوله من الشرق إلى الغرب ٧٤٥٥ ميلًا وعرضه من الجنوب إلى الشمال ٢٥٥ ميلًا، وحده من تسع وثلاثين درجة إلى ثلاث وأربعين درجة ونصف، ووسطه من حيث يكون ارتفاع القطب إحدى وأربعين درجة وثلثًا، ونهاره الأطول ١٥ ساعة سواء.
وفي هذا الإقليم من الجبال الطوال نحوٌ مِن ثلاثين جبلًا ومن الأنهار الطوال نحو من خمسة عشر نهرًا، ومن المدن المعروفة الكبار نحوٌ مِنْ مائتَي مدينة، وابتداؤُهُ من المشرق فيمر على وسط بلاد يأجوج ومأجوج، ويمر على وسط بلاد الترك وعلى بلاد فرغانة وبلاد أسبيجاب وعلى وسط بلاد ما وراء النهر ويقطع جيحون، وعلى وسط بلاد خراسان وعلى شمال سجستان وكرمان وعلى شمال بلاد فارس ووسط بلاد الري والمهان، وعلى شمال بلاد العراق وجنوب بلاد أذربيجان، وعلى وسط بلاد أرمينية وشمال بلاد الثغر، ويمر على وسط بلاد الروم ويقطع خليج قسطنطينية هناك، ويمر على شمال بحر الروم ووسط بلاد رومية ويمر على جنوب هيكل الزهرة، وعلى وسط بلاد الأندلس، وينتهي إلى بحر المغرب، وأكثر أهل هذه البلدان بيض، وهي كل مدينة عرضها من لط إلى مج ك:
.
.
الإقليم السادس لعطارد وطوله من المشرق إلى المغرب ٧٥٥٥ ميلًا وعرضه من الجنوب إلى الشمال ٢٥٥ ميلًا، وحده من ثلاث وأربعين درجة ونصف إلى سبع وأربعين درجة وربع، ووسطه حيث يكون ارتفاع القطب خمسًا وأربعين درجة وخمسين دقيقة، ونهاره الأطول خمس عشرة ساعة ونصف.
وفي هذا الإقليم من الجبال الطوال نحوٌ من اثنين وعشرين جبلًا، ومن الأنهار الطوال نحو اثنين وثلاثين نهرًا، ومن المدن المعروفة الكبار نحو تسعين مدينة، وابتداؤُهُ من المشرق فيمر على شمال بلاد يأجوج ومأجوج، ويمرُّ على جنوب بلاد سجستان، وعلى جنوب بلاد الثغر، وعلى وسط بلاد خاقان وجنوب بلاد كيماك، وعلى شمال بلاد أسبيجاب، وعلى شمال بلاد السند وما وراء النهر، وعلى وسط بلاد خوارزم، وعلى شمال بلاد جرجان وطبرستان والديلم وكيلان ويقطع بحر طبرستان، وعلى وسط بلاد أذربيجان، وعلى وسط بلاد أرمينية وملطية على شمال بحر سطس وعلى شمال قسطنطينية، وعلى وسط بلاد مقدونية، وعلى وسط أفريقية مما يلي الشمال، ويمر على جنوب بحر الصقالبة، وعلى شمال هيكل الزهرة، وينتهي إلى بحر المغرب، وأكثرُ أهل هذه البلدان ألوانُهُم ما بين الشقرة والبياض، وكُلُّ مدينةٍ عرضها من مح مد إلى مز به أولها مما يلي المشرق، والله أعلم.
الإقليمُ السابعُ للقمر، طولُهُ من المشرق إلى المغرب ٦٦٥٥ ميلًا، وعرضه من الجنوب إلى الشمال ١٨٥ ميلًا، وحَدُّهُ من سبع وأربعين درجة وربع إلى خمسين درجة ونصف، ووسطه حيث يكون ارتفاعُ القطب عن الأفق ثمانيًا وأربعين درجة وثلثين، وطولُ نهاره الأطول ست عشرة ساعة سواء.
وفي هذا الإقليم من الجبال الطوال نحو من عشرة جبال، ومن الأنهار الطوال نحو من أربعين نهرًا، ومن المدن المعروفة الكبار نحو من اثنتين وعشرين مدينة، وابتداؤه من المشرق فيمر على جنوب بلاد يأجوج ومأجوج وبلاد سجستان وبلاد غرغر، وعلى بلاد كيماك، وعلى جنوب اللان، وعلى شمال بحر جرجان وبلاد خنخ، وعلى جبل باب الأبواب، وعلى وسط بحر سطس، وعلى جنوب بلاد جرجان وشمال بلاد مقدونية، وعلى جنوب بحر الصقالبة، وجنوب جزيرة الري، وينتهي إلى بحر المغرب، وأكثرُ أهلِ هذه البلدان ألوانُهُم مائلةٌ إلى الشقرة، وهي كل مدينة عرضها من مزبه إلى مط، أولها مما يلي المشرق:
.
.
(٣) فصل في خواص الأقاليم
واعلم يا أخي بأن في كل إقليم من هذه الأقاليم السبعة ألوفًا من المدن تزيد وتنقص، وفي كل مدينة أمم من الناس مختلفة ألسنتهم وألوانهم وطباعهم وآدابهم ومذاهبهم وأعمالهم وصنائعهم وعاداتهم، لا يشبه بعضهم بعضًا، وهكذا حكم حيوانها ومعادنها مختلفة الشكل والطعم واللون والرائحة، وسبب ذلك اختلاف أهوية البلاد وتربة البقاع وعُذُوبة المياه وملوحتها، ولك هذا الاختلاف بحسب طوالع البروج ودرجاتها على آفاق تلك البلاد بحسب ممرات الكواكب على مسامتات تلك البقاع ومطارح شعاعاتها مِنَ الآفاق على تلك المواضع، وهذه جملةٌ يطولُ شرحُها، وذكر أن ملكًا من الأولين أمر وقتًا من الزمان بأن تعد المدن المسكونة من الربع المسكون من الأرض، فوجد سبعة عشر ألف مدينة سوى القرى.
واعلم بأنه ربما يَزيد عددُ مُدُن الأرض وينقص، وذلك بحسب موجبات أحكام القرانات وأدوار الأفلاك الألوف، وذلك أن بالقرانات الدالة على قوة السعود واعتدال الزمان واستواء طبيعة الأركان ومجيء الأنبياء وتواتر الوحي وكثرة العلماء وعدل الملوك، وصلاح أحوال الناس، ونزول بركات السماء بالغيث؛ تزكو الأرض والنبات، ويكثر توالُدُ الحيوان وتعمر البلاد ويكثرُ بنيان المدن، وبالقرانات الدالة على قوة النحوس وفساد الزمان وخُرُوج المزاج عن الاعتدال، وانقطاع الوحي وقلة العلماء، وموت الأخيار، وجَوْر الملوك، وفساد أخلاق الناس وسوء أعمالهم واختلاف آرائهم؛ يمنع نزول البركات من السماء بالغيث فلا تزكو الأرض، ويجف النبات ويهلك الحيوان وتخرب المدن في البلاد.
واعلم يا أخي بأن أُمُور هذه الدنيا دول ونوب، تدور بين أهلها قرنًا بعد قرن، ومِنْ أُمة إلى أُمة، ومن بلد إلى بلد.
فصل
واعلم بأن كل دولة لها وقتٌ منه تبتدئ، وغايةٌ إليها ترتقي، وحدٌّ إليه تنتهي، فإذا بلغت إلى أقصى غاياتها ومدى نهاياتها؛ تسارع إليها الانحطاط والنقصان، وبدا في أهلها الشؤم والخذلان، واستأنف في الآخرين من القوة والنشاط والظهور والانبساط، وجعل كل يوم يقوى هذا ويزيد، ويضعف ذاك وينقص إلى أن يضمحل الأول المقدم ويستمكن الآتي المتأخر.
والمثال في ذلك مجاري أحكام الزمان؛ وذلك أن الزمان كله نصفان؛ نصفه نهار مضيء، ونصفه ليلٌ مظلم، وأيضًا نصفه صيف حار ونصفه شتاء بارد، وهما يتداولان في مجيئهما وذهابهما، كلما ذهب هذا رجع هذا، وتارة يزيد هذا وينقص هذا، وكلما نقص من أحدهما زاد في الآخر بذلك المقدار حتى إذا تناهيا إلى غايتهما في الزيادة والنقصان، ابتدأ النقص في الذي تناهى في الزيادة، وابتدأت الزيادة في الذي تناهى في النقصان، فلا يزالان هكذا إلى أن يتساويا في مقداريهما، ثم يتجاوزان على حالتيهما إلى أن يتناهيا في غايتيهما من الزيادة والنقصان، وكلما تناهى أحدهما في الزيادة ظهرت قوته، وكثرت أفعاله في العالم، وخفيت قوة ضده، وقَلَّتْ أفعالُهُ.
فهكذا حكم الزمان في دولة أهل الخير ودولة أهل الشر؛ تارة تكون الدولةُ والقوةُ وظهورُ الأفعال في العالم لأهل الخير، وتارة الدولة والقوة وظهور الأفعال في العالم لأهل الشر، كما ذكر الله — عز وجل — وقال: وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ، وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ.
فصل
وقد نرى أيها الأخ البار الرحيم، أيدك الله وإيانا بروح منه، أنه قد تناهتْ دولة أهل الشر وظهرتْ قوتُهُم وكثرتْ أفعالهم في العالم في هذا الزمان وليس بعد التناهي في الزيادة إلا الانحطاط والنقصان، واعلمْ بأن الدولة والملك ينتقلان في كل دهر وزمان ودور وقران من أمة إلى أمة ومن أهل بيت إلى أهل بيت ومن بلد إلى بلد.
واعلمْ يا أخي أن دولة أهل الخير يبدأ أولها من قوم علماء حكماء وخيار فضلاء، يجتمعون على رأي واحد، ويتفقون على مذهب واحد ودين واحد، ويعقدون بينهم عهدًا وميثاقًا أن لا يتجادلوا ولا يتقاعدوا عن نصرة بعضهم بعضًا، ويكونون كرجل واحد في جميع أمورهم وكنفس واحدة في جميع تدبيرهم فيما يقصدون من نصرة الدين وطلب الآخرة لا يبتغون سوى وجه الله ورضوانه جزاءً ولا شكورًا، فهل لك أيها الأخ البار الحكيم، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن ترغب في صحبة إخوان لك نصحاء، وأصدقاء لك أخيار فضلاء، هذه صفتُهُم، بأن تقصد مقصدهم، وتتخلق بأخلاقهم، وتنظر في علومهم لتعرف مناهجهم، وتكون معهم وتنجو بمفازاتهم، لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون، وفقك الله أيها الأخ وجميع إخواننا للصواب بفضله ومَنِّهِ، حسبنا الله ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه محمد وآله.
الرسالة الرابعة
في الجغرافيا
بسم الله الرحمن الرحيم
الرسالة الرابعة في جغرافيا يعني صورة الأرض والأقاليم من رسائل إخوان الصفاء — صان الله أقدارهم.
ما لله سر إلا وهو ظاهرٌ على ألسنة خلقه، ولا له ستر أثخن من جهلهم به؛ لأنه لا يعلم ما هو إلا هو وإلى ربك المُنتهى، منه بدأ وإليه يعود، ثم إليه تُرجعون، فوجد الله عنده فوقاه حسابه الباري، وحده قبل كثرة كل إنسان، وحده بعد كل كثرة، وكل كثرة فعن الواحد بدأت وإليه تعود، وكل الموجودات فمن الباري بدأت وإليه تعود، يا ابن آدم أنا الله حي لا يموت، إن أطعتني وقبلت وصيتي جعلتك حيًّا لا تموت، يا ابن آدم أنا الله أقول للشيء: كن فيكون، أطعني أجعلك تقول للشيء: كن فيكون.
من أجل أن مذهب إخواننا، أيدهم الله وإيانا بروح منه، هو النظر في جميع الموجودات والبحث عن مبادئها وعن علة وجدانها وعن مراتب نظامها والكشف عن كيفية ارتباط معلولاتها بعللها بإذن باريها جل ثناؤه؛ احتجنا إلى أن نذكر حال الأرض وكيفية صورتها وسبب وقوفها في مركز العالم؛ وذلك أن المعرفة بحالها وبكيفية وقوفها في الهواء من العُلُوم الشريفة؛ لأن عليها وقوف أجسامنا ومنها بدأ كَوْن أجسادنا ونشوئها ومادة بقائها، وإليها عودها عند مفارقتها نفوسها.
وأيضًا فإن النظر في هذا العالم يكون سببًا لترقي هِمم نفوسنا إلى عالم الأفلاك، مسكن العليين، ويكثر جولان أفكارنا في محل الروحانيين، وكثرة أفكارنا في عالم الأفلاك تكون سببًا لانتباه نفوسنا من نوم الغفلة ورقدة الجهالة، ويدعوها ذلك إلى الانبعاث من عالم الكون والفساد إلى عالم البقاء والدوام، ويرغبها في الرحلة من عالم الأجساد وجوار الشياطين إلى عالم الأرواح وجوار الملائكة المقربين، وقد ذكرنا في هذه الرسالة طرفًا من كيفية صورة الأرض وصفة الربع المسكون منها، وما فيه من الأقاليم السبعة، ومن البحار والجبال والبراري والأنهار والمدن؛ ليكون طريقًا للمبتدئين بالنظر في علم الهيئة وتركيب الأفلاك وطوالع البروج ودوران الكواكب، ويقرب تصورها في أفكار المتعلمين، ويسهل تأملها للمتفكرين في ملكوت السماوات والأرض الذين يقولون: رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، وقال الله تعالى: وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ، وقال: وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ.
(١) فصل في صفة الأقاليم وما في الربع المسكون من الأرض مع ما فيها من الجبال والبحار والبراري والأنهار والمدن وما في البحار من الجزائر والمدن
وقبل وصفها نحتاج أن نذكر صفة الأرض وجهاتها الست وكيفية وقوفها في الهواء، أما الجهات فهي الشرق والغرب والجنوب والشمال والفوق والأسفل، فالشرق من حيث تطلع الشمس، والغرب من حيث تغرب الشمس، والجنوب من حيث مدار سهيل، والشمال من حيث مدار الجدي والفرقدين، والفوق مما يلي السماء، والأسفل مما يلي مركز الأرض.
والأرض جسمٌ مدور مثل الكرة وهي واقفةٌ في الهواء بأن الله يجمع جبالها وبحارها وبراريها وعماراتها وخرابها، والهواء محيط بها من جميع جهاتها شرقها وغربها وجنوبها وشمالها ومن ذا الجانب ومن ذلك الجانب، وبعد الأرض من السماء من جميع جهاتها متساوٍ، وأعظم دائرة في بسيط الأرض ٢٥٤٥٥ ميلًا ٦٨٥٥ فرسخًا، وقطر هذه الدائرة هو قطر الأرض ٦٥٥١ ميلًا ٢١٦٧ فرسخًا بالتقريب، ومركزها هي نقطة متوهَّمة في عمقها على نصف القطر وبعدها من ظاهر سطح الأرض ومن سطح البحر من جميع الجهات متساوٍ؛ لأن الأرض بجميع البحار التي على ظهرها كرة واحدة.
وليس شيء من ظاهر سطح الأرض من جميع جهاتها هو أسفل الأرض — كما يتوهم كثير من الناس ممن ليس له رياضة بالنظر في علم الهندسة والهيئة — وذلك أنهم يتوهمون ويظنون بأن سطح الأرض من الجانب المقابل لموضعنا هو أسفلُ الأرض، وأن الهواء المحيط بذلك الجانب هو أيضًا أسفل من الأرض، وأن النصف من فلك القمر المحيط بالهواء هو أيضًا أسفل من الهواء، وهكذا سائر طبقات الأفلاك كل واحد أسفل من الآخر حتى يلزم أن أسفل السافلين هو نصفُ الفلك المحيط الذي هو أعلى عليين في دائم الأوقات.
وليس الأمر كما توهموا؛ لأن هذا رأيٌ يتعقله الإنسان من الصبا بالتوهُّم بغير رَوِيَّةٍ ولا برهان، فإذا ارتاض الإنسان في علم الهيئة والهندسة تبين له أن الأمر بخلاف ما توهم قبل، وذلك أن أسفل الأرض بالحقيقة هو نقطةٌ وهميةٌ في عمق الأرض على نصف قطرها وهو الذي يسمى مركز العالم، وهو عمق باطنها مما يلي مركزها من أي جانب كان من الأرض؛ لأن مركز الأرض هو أسفلُ السافلين، فأما سطحها الظاهر المماس للهواء، وسطح البحار من جميع الجهات فهو فوق، والهواء المحيط أيضًا من جميع الجهات.
وفلك القمر هو فوق فلك الهواء، وفلك عطارد هو فوق فلك القمر، وعلى هذا القياس سائر الأفلاك، واحدٌ فوق الآخر إلى الفلك التاسع الذي هو فوق كل فوق، وهو أعلى عليين، ومقابله مركز الأرض أسفل السافلين.
واعلم يا أخي أن الإنسان أي موضع وقف على سطح الأرض، من شرقها أو غربها أو جنوبها أو شمالها، أو من هذا الجانب أومن ذلك الجانب، وقوفه حيث كان، فقدمه أبدًا يكون فوق الأرض ورأسه إلى فوق مما يلي السماء، ورجلاه أسفل مما يلي مركز الأرض، وهو يرى من السماء نصفها، والنصف الآخر يستره عنه حدبة الأرض، فإذا انتقل الإنسان من ذلك الموضع إلى الموضع الآخر ظهر له من السماء مقدارُ ما خفي عنه من الجهة الأُخرى، وذلك المقدار كل تسعة عشر فرسخًا درجة، وكل فرسخ ثلاثة أميال، كل ميل أربعة آلاف ذراع، كل ذراع ست قبضات، كل قبضة أربع أصابع، كل إصبع ست شعيرات.
ذكر وُقُوف الأرض في وسط الهواء وسببه
وأما سبب وقوف الأرض في وسط الهواء ففيه أربعة أقاويل؛ منها ما قيل إن سبب وقوفها هو جذب القلب لها من جميع جهاتها بالسوية فوجب لها الوقوف في الوسط لما تساوت قوة الجذب من جميع الجهات.
ومنها ما قيل: إنه الدفع بمثل ذلك فوجب لها الوقوف في الوسط لما تساوت قوة الدفع من جميع الجهات، ومنها ما قيل: إن سبب وقوفها في الوسط هو جذب المركز لجميع أجزائها من جميع الجهات إلى الوسط؛ لأنه لما كان مركز الأرض مركز الفلك أيضًا وهو مغناطيس الأثقال يعني مركز الأرض وأجزاء الأرض لما كانت كلها ثقيلة؛ انجذبت إلى المركز وسبق جزء واحد وحصل في المركز، ووقف باقي الأجزاء حولها يعني حول النقط؛ يطلب كل جزء منها المركز، فصارت الأرض بجميع أجزائها كرة واحدة بذلك السبب، ولما كانت أجزاء الماء أخف من أجزاء الأرض وقف الماء فوق الأرض، ولما كانت أجزاء الهواء أخف من أجزاء الماء صار الهواء فوق الماء، والنار لما كانت أجزاؤها أخف من أجزاء الهواء صارت في العلو مما يلي فلك القمر.
والوجهُ الرابعُ ما قيل في سبب وقوف الأرض في وسط الهواء هو خصوصية الموضع اللائق بها؛ وذلك أن الباري — عز وجل — جعل لكل جسم من الأجسام الكليات يعني: النار والهواء والماء والأرض موضعًا مخصوصًا هو أَلْيَقُ المواضع به، وهكذا القمر وعطارد والزهرة والشمس والمريخ والمشتري وزحل، جعل لكل واحد منها موضعًا مخصوصًا في فلكه هو ثابت فيه والفلك يديره معه.
وهذا القولُ أشبهُ الأقاويل بالحق؛ لأن هذه العلة مستمرةٌ في ترتيب الأفلاك السبعة والكواكب الثابتة والسيارة والأركان الأربعة؛ أعني: النار والهواء والماء والأرض، وذلك أن الله — تبارك وتعالى — جعل لكل موجود من الموجودات موضعًا يختص به دون سائر المواضع أو رتبة معلومة هي أَلْيَقُ به من سائر المراتب.
صفة الأرض وقسمة أرباعها
الأرضُ نصفُها مغطًّى بالبحر الأعظم المحيط والنصف الآخر مكشوفٌ؛ مثلها مثل بيضة غائصة نصفها في الماء والنصف الآخر ناتئٌ من الماء، وهذا النصف المكشوفُ نصفٌ منه خرابٌ مما يلي الجنوب من خط الاستواء، والنصف الآخر الذي هو الربع المسكون مما يلي الشمال من خط الاستواء، وخط الاستواء هو خطٌّ متوهَّم، ابتداؤه من المشرق إلى المغرب تحت مدار رأس برج الحمل، والليل والنهار أبدًا على ذلك الخط متساويان، والقطبان هنالك ملازمان للأفق؛ أحدهما مما يلي مدار سهيل في الجنوب، والآخر في الشمال مما يلي الجدي، وهذا مثال ذلك:
صفة الربع المسكون من الأرض
وفي هذا الربع الشمالي المسكون من الأرض سبعة أبحُر كبار، وفي كل بحر منها عدة جزائر، تكسير كل جزيرة منها عشرون فرسخًا إلى مائة فرسخ إلى ألف فرسخ، فمنها بحر الروم، وفيه نحو خمسين جزيرة، ومنها بحرُ الصقالبة وفيه نحوٌ مِن ثلاثين جزيرة، ومنها بحر جرجان وفيه خمس جزائر، ومنها بحر القلزم وفيه نحو من خمس عشرة جزيرة، ومنها بحر فارس وفيه سبع جزائر، ومنها بحر السند والهند وفيه نحو من ألف جزيرة، ومنها بحر الصين وفيه نحو من مائتي جزيرة.
وفي هذا الربع أيضًا خمس عشرة بحيرة صغارًا، تكسير كل واحدة من عشرين فرسخًا إلى مائة فرسخ إلى ألف فرسخ، منها مالح ومنها عذب، وأما بحر الغرب وبحر يأجوج ومأجوج وبحر الزنج وبحر الزانج والبحر الأخضر والبحر المحيط فخارجٌ عن هذا الربع المسكون، وكل واحد من هذه الأبحُر شعبة وخليج من البحر المحيط وكلها مالح، وفي هذا الربع أيضًا مقدار مائتي جبل طوال، منها ما طوله من عشرين فرسخًا إلى مائة فرسخ إلى ألف فرسخ، مختلف الألوان، ومنها ما يمتد طولُهُ من المشرق إلى المغرب، أو من الجنوب إلى الشمال، ومنها ما يتنكب ما بين المشرق والجنوب، ومنها ما يتنكب ما بين المشرق والشمال، ومنها ما هو بين العمران والمدن والقرى، ومنها ما هو في البراري والقفار، ومنها ما هو في الجزائر والبحار.
وفي هذا الربع أيضًا مقدار مائتين وأربعين نهرًا؛ طول كل نهر منها من عشرين فرسخًا إلى مائة فرسخ إلى ألف فرسخ، فمنها ما جريانه من المشرق إلى المغرب، ومنها ما جريانه من الغرب إلى الشرق، ومنها من الشمال إلى الجنوب، ومنها من الجنوب إلى الشمال، ومنها ما يتنكب من هذه الجهات.
وكل هذه الأنهار تبتدئ من الجبال وتنتهي إلى البحار في جريانها وإلى البطائح والبحيرات، وتسقي في ممرها المدن والقرى والسوادات، وما يفضل من مائها ينصب إلى البحار ويختلط بماء البحر ثم يصير بخارًا ويصعد في الهواء وتتراكم منه الغيوم وتسوقه الرياح إلى رءوس الجبال والبراري، ويمطر هناك ويسقي البلاد وتجري الأودية والأنهار ويرجع إلى البحار من الرأس، وذلك دأبها في الشتاء والصيف، ذلك تقدير العزيز العليم.
وفي هذا الربع سبعة أقاليم، تحتوي على سبعة عشر ألف مدينة كبيرة، يملكها نحو من ألف ملك، كل هذه في ربع واحد من بسيط الأرض، وأما ثلاثة أرباعها الباقية فحكمها غير هذا.
صفة الأقاليم السبعة
الأقاليم هي سبعة أقسام، خُطَّت في الربع المسكون من الأرض، كل إقليم منها كأنه بساط مفروش قد مد طوله من المشرق إلى المغرب، وعرضه من الجنوب إلى الشمال، وهي مختلفةُ الطول والعرض، فأطولها وأعرضها الإقليمُ الأولُ؛ وذلك أن طوله من المشرق إلى المغرب نحو من ثلاثة آلاف فرسخ، وعرضه من الجنوب إلى الشمال نحو مائة وخمسين فرسخًا، وأقصرها طولًا وعرضًا الإقليم السابع؛ وذلك أن طوله من المشرق إلى المغرب نحو ألف وخمسمائة فرسخ، وعرضه من الجنوب نحو من سبعين فرسخًا، وأما سائرُ الأقاليم ففيما بينهما من الطول والعرض، وهذا مثال ذلك، والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب:
فصل
واعلم أيها الأخ البار الرحيم، أيدك الله وإيانا بروح منه، أن هذه الأقاليم السبعة ليست هي أقسامًا طبيعية، وكأنها خطوط وهمية وضعتها الملوك الأولون الذين طافوا الربع المسكون من الأرض لتعلم حدود البلدان والممالك والمسالك؛ مثل: أفريذون النبطي وتبع الحميري وسليمان بن داود الإسرائيلي — عليهما السلام — والإسكندر اليوناني وأزدشير بن بابك الفارسي؛ ليعلموا بها حدود البلدان والمسالك والممالك، وأما ثلاثة أرباعها الباقية فمنعهم من سلوكها الجبال الشامخة والمسالك الوعرة والبحار الزاخرة والأهوية المتغيرة المفرطة التغير من الحر والبرد والظلمة؛ مثل ما في ناحية الشمال تحت مدار الجدي، فإن هناك بردًا مفرطًا جدًّا؛ لأنه ستة أشهر يكون الشتاء هناك ليلًا كله، فيظلم الهواء ظلمة شديدة وتجمد المياه بشدة البرودة ويتلف الحيوان والنبات.
وفي مقابل هذا الموضع في ناحية الجنوب؛ حيث مدار سهيل يكون نهارًا كله ستة أشهر صيفًا فيحمى الهواء ويصير نارًا سمومًا ويحترق الحيوان والنبات من شدة الحر، فلا يمكن السكنى ولا السلوك هناك.
وأما ناحية المغرب فيمنع السلوك فيها البحر المحيط؛ لتلاطم أمواجه وشدة ظلماته، وأما ناحية المشرق فيمنع السلوك هناك الجبال الشامخة، فإذا تأملت وجدت الناس محصورين في الربع المسكون من الأرض، وليس لهم علم بالثلاثة أرباع الباقية.
واعلم أن الأرض بجميع ما عليها من الجبال والبحار بالنسبة إلى سعة الأفلاك ما هي إلا كالنقطة في الدائرة، وذلك أن في الفلك ألفًا وتسعة وعشرين كوكبًا، أصغر كوكب منها مثل الأرض ثماني عشرة مرة، وأكبرها مائة وسبع مرات، فلشدة البعد وسعة الأفلاك تراها كأنها الدر المنثور على بساط أخضر، فإذا فكر الإنسان في هذه العظمة تبين له حكمة الصانع وجلالة عظمته، فينتبه من نوم الغفلة ورقدة الجهالة، ويعلم أنه ما خلق هذه الأشياء إلا لأمر عظيم، وذلك قوله تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ.
(٢) فصل في الحث على النظر في الأرض للاعتبار
اعلم يا أخي بأن من دخل الدنيا وعاش فيها زمانًا طويلًا مشغولًا بالأكل والشرب والنكاح؛ دائبًا في طلب الشهوات والحرص على جمع المال والأثاث واتخاذ البنيان وعمارة الأرض والعقارات وطلب الرياسة، متمنيًا الخلود فيها، تاركًا لطلب العلم، غافلًا عن معرفة حقائق الأشياء، مهملًا لرياضة النفس، متوانيًا في الاستعداد للرحلة إلى الدار الآخرة، حتى إذا فني العمر وقرب الأجل وجاءت سكرة الموت التي هي مفارقة النفس الجسد، ثم خرج من هذه الدار جاهلًا لم يعرف صورتها ولم يفكر في الآيات التي في آفاقها، ولا اعتبر أحوال مجوداتها، ولا تأمل الأُمُور المحسوسة التي شاهد فيها؛ فمثلهم مثل قوم دخلوا إلى مدينةِ ملكٍ عظيمٍ حكيم عادل رحيم قد بناها بحكمته، وأعد فيها من طرائف صنعته ما يقصر الوصف عنها إلا بالمشاهدة لها، ووضع فيها مائدة قوتًا للواردين إليها وزادًا للراحلين عنها، ثم دعا عبادًا له إلى حضرته ليمنحهم بالكرامة، وأمرهم بالورود إلى تلك المدينة في طريقهم؛ لينظروا إليها ويبصروا ما فيها، ويتفكروا في عجائب مصنوعاته ويعتبروا غرائب مصوراته؛ ليروض بها نفوسهم، فيصيرون برؤيتها ومعرفتها حكماء أخيارًا فضلاء، فيصلون إلى حضرته ويستحقون كرامته.
فوردها قوم ليلًا فباتوا طول ليلتهم مشغولين بالأكل والشرب واللعب واللهو، ثم خرجوا منها سحرًا لا يدرون من أي باب دخلوا ولا من أيها خرجوا ولا رأوا مما فيها شيئًا من آثار حكمته وغرائب صنعته، ولا انتفعوا بشيء منها أكثر من تمتعهم تلك الليلة بالأكل والشرب وحسب.
فهكذا حكم أبناء الدنيا الواردين إليها جاهلين، الماكثين فيها متحيرين مكرهين، المنكرين أمر الدار الآخرة، الراحلين عنها كما قال الله — جل ثناؤه: وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا، وقال ذمًّا لهم: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ بأمر الآخرة، فأعيذك أيها الأخ البار الرحيم أن تكون منهم، بل كن من الذين مدحهم — عز وجل — فقال جل ثناؤه: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وحكى قولهم لما تمنوا عرض الدنيا حين قال: يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ، وقال الذين أوتوا العلم بحقيقة أمر الآخرة: وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ، وفقك الله أيها الأخ البار الرحيم للسداد، وهداك للرشاد وجميع إخواننا حيث كانوا في البلاد.
وإذ قد فرغنا من ذِكْر الأرض ووصفنا الربع المسكون؛ نريد أن نذكر الأقاليم السبعة، ونبين حدودها طولًا وعرضًا وما في كل إقليمٍمن المدن الكبار والجبال والأنهار الطوال.
فاعلم أيها الأخ البار الرحيم، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن حدود الأقاليم معتبرة بساعات النهار وتفاوت الزيادة فيها؛ وبيان ذلك أنه إذا كانت الشمس في أول برج الحمل كان طول الليل والنهار وساعاتهما تتساوى في هذه الأقاليم كلها، فإذا سارت الشمس في درجات برج الحمل والثور والجوزاء اختلفت ساعات نهار كل إقليم؛ حتى إذا بلغت آخر الجوزاء الذي هو أول السرطان صار طُول النهار في وسط الإقليم الأول ثلاث عشرة ساعة، وفي وسط الإقليم الثاني ثلاث عشرة ساعة ونصفًا، وفي وسط الإقليم الثالث أربع عشرة ساعة، وفي وسط الإقليم الرابع أربع عشرة ساعة ونصفًا، وفي وسط الإقليم الخامس خمس عشرة سواء، وفي وسط الإقليم السادس خمس عشرة ونصفًا، وفي وسط الإقليم السابع ست عشرة سواء، وفي المواضع التي عرضها ست وستون درجة وما زاد إلى تسعين درجة يصير نهارًا كله، وشرح كيفيتها طويل مذكور في المجسطي.
واعلم أن معنى كل طول بلدة ومدينة هو بعدها من أقصى المغرب، ومعنى عرضها هو بعدها من خط الاستواء، وخط الاستواء هو الموضع الذي يكون الليل والنهار هناك أبدًا متساويين، فكل مدينة على ذلك الخط فلا عرض لها، وكل مدينة في أقصى المغرب فلا طول لها أيضًا، ومن أقصى المغرب إلى أقصى المشرق مائة وثمانون درجة، مقدار كل درجة تسعة عشر فرسخًا، وكل مدينة طولها تسعون درجة فهي في وسط من المشرق والمغرب، وما كان أكثر فهي إلى المشرق أقرب، وما كان أقل فهي إلى المغرب أقرب، وكل مدينتين إحداهما أكبر طولًا وعرضًا فهي إلى المشرق والشمال أقرب من الأخرى، والتفاوت الذي يكون بينهما في العرض كل درجة تسعة عشر فرسخًا بالتقريب، وأما تفاوتهما في الطول فمختلف، فما كان منها على خط الاستواء، فكل درجة في الطول تسعة عشر فرسخًا، وما كان في الإقليم الأول فكل درجة سبعة عشر فرسخًا، وما كان في الثاني فكل درجة خمسة عشر فرسخًا، وفي الثالث كل درجة ثلاثة عشر فرسخًا، وفي الرابع كل درجة عشرة فراسخ، وفي الخامس كل درجة سبعة فراسخ، وفي السادس كل درجة خمسة فراسخ، وفي السابع كل درجة ثلاثة فراسخ.
«أسماء المدن الكبار» التي ليست في الأقاليم السبعة، وهي كل مدينة عرضها أقل من اثنتي عشرة درجة مما يلي خط الاستواء أولها مما يلي الشرق:
بشمير من الهند | قكب | يا |
جزيرة كوك من الهند | قب | ط |
مدينة الطيب من السند | عب | ﻫ |
حضرموت من اليمن | عبا | ٣ |
رعاة من الحبشة | س | يب |
كوكو من الحبشة | ع | يا |
وفي هذا الإقليم من الجبال الطوال نحو من عشرين جبلًا، منها ما طوله من عشرين فرسخًا إلى مائة فرسخ إلى ألف فرسخ، وفيه أيضًا مقدار ثلاثين نهرًا طوالًا، منها ما طولُهُ من عشرين فرسخًا إلى مائة فرسخ إلى ألف فرسخ، وفيه من المدن المعروفة الكبار نحوٌ مِن خمسين مدينة، وابتداء هذا الإقليم من المشرق على شمال جزيرة الياقوت، فيمر على بلاد الصين مما يلي الجنوب.
ثم يمر على شمال بلد سرنديب، ثم يمر على وسط بلاد الهند، ثم يمر على وسط بلاد السند، ثم يقطع بحر فارس مما يلي الجنوب بلاد عمان، ثم يمر على وسط بلاد الشحر، ثم يمر على وسط بلاد اليمن، ثم يقطع بحر القلزم هناك، ويمر على وسط بلاد الحبشة، ويقطع نيل مصر هناك، ثم يمر على بلاد النوبة، ثم يمر على وسط بلاد البربر وبلاد البواي، ثم يمر على جنوب بلاد مرطانة، وينتهي إلى بحر المغرب، وعامة أهل هذه البلدان سُود.
«أسماء المدن الكبار» التي في هذه الأقاليم، وهي كل مدينة عرضها من ثلاث عشرة درجة إلى عشرين درجة، فأولها ما يلي المشرق:
.
مدينة في أقصى الصين | سد | ط ط |
مدينة في جزيرة من الصين | قل | يب |
أسقريار وهي من الصين | فكه | بو |
ماسيوفا من الهند | في | بو |
حارون من الهند | قدل | بط |
سقلي من السند | مه | يح |
عمان من بلاد الغوب | سد | يح |
الميد من السند | سد | ود |
مدينة أخرى على البحر ميلًا | بح | حه |
عدن من اليمن | ل | بز |
دنقلة من بلاد نوبة | يب | ك |
كوص وواعلة منه | لب | ك |
مملكة الحبشة | ك | يط |
حرمى الكبرى | كو | يط |
.
الإقليم الثاني للمشتري وطوله من المشرق إلى المغرب ٧٦٥٥ ميلًا وعرضه من الجنوب إلى الشمال ٦٠٠ ميل وحده الأول مما يلي إقليم زحل ٤٠؛ حيث يكون ارتفاع القطب عشرين درجة ونصفًا، فطول نهاره الأطول ثلاث عشرة ساعة وربع، ووسطه حيث يكون ارتفاعُ القطب أربعًا وعشرين درجة وست دقائق، ونهاره الأطول ثلاث عشرة ساعة ونصف، وحَدُّهُ الثاني حيث يكون ارتفاع القطب من الأفق سبعًا وعشرين درجة ونصفًا ونهاره الأطول ثلاث عشرة ساعة ونصف وربع.
وفي هذا الإقليم من الجبال الطوال نحوٌ من سبعة عشر ميلًا، ومن الأنهار الطوال من ذلك، ومن المدن المعروفة الكبار نحوٌ مِن خمسين مدينة، وابتداءُ هذا الإقليم من المشرق، ويمر على وسط بلاد الصين، ثم يمر على شمال بلاد سرنديب، ثم يمر على بلاد الهند مما يلي الشمال، ثم يمر على بلاد قندهار، ثم يمر على وسط كابل وشمال بلاد السند وجنوب بلاد مكران، ثم يقطع بحر فارس ويمر على بلاد عمان، ثم يمر على وسط بلاد العرب، ثم يقطع بحر القلزم، ويمر على شمال بلاد الحبشة وجنوب بلاد صعيد مصر، فيقطع نيل مصر هناك، ثم يمر على وسط بلاد الزقة وأفريقية، ثم يمر على شمال بلاد البربر وجنوب بلاد القيروان، ثم يمر على وسط بلاد مرطانة، وينتهي إلى بحر المغرب، وأكثر أهل هذه البلدان ألوانُهُم من بين السمرة إلى السواد.
فمن المدن الكبار التي في هذا الإقليم أولها مما يلي المشرق في أقصى بلاد الصين، وهو كل مدينة عرضها من ك إلى كرك وأولها مما يلي المشرق:
.
ط ما من الصين | فمد | ك |
طفولا من الصين | لمح | مه |
طوانيا من الصين | فم | كد |
قرى من الهند | فد | أكد |
مدينة في سفح جبل منه | فبا | كد |
الغمرة من السند | بح | كب |
البرور منه على البحر | مز | كع ل |
الدميل منه | كب | كدك |
ديار تلي منه | عرمه | كدم |
اليمامة من الحجاز | عامه | كاد |
طائف من اليمن | يج | كب |
مكة من تهامة | مر | كا |
يثرب مدينة الرسول | سه | كه |
أخميم من صعيد مصر | به ل | كوب |
أفريقية من الغرب | له | |
بلاد السواني | ك | كا |
.
الإقليم الثالث للمريخ، وطوله من المشرق إلى المغرب ٨٢٥٥ ميلًا، وعرضه من الجنوب إلى الشمال ٣٥٥ ميلًا، وحده من سبع وعشرين درجة ونصف إلى ثلاث وثلاثين درجة وثلاثين دقيقة، ووسطه حيث يكون ارتفاع القطب عن الأفق ثلاثين درجة ونصفًا وخمسًا، ونهارُهُ الأطولُ أربع عشرة ساعة سواء، وفي هذا الإقليم من الجبال الطوال ثلاثة وثلاثون جبلًا، ومن الأنهار الطوال اثنان وعشرون نهرًا، ومن المدن المعروفة الكبار مائة وثمان وعشرون مدينة.
وابتداء هذا الإقليم من المشرق، فيمر على شمال بلاد الصين وجنوب بلاد يأجوج، ثم يمر على شمال بلاد الهند وجنوب بلاد الترك، ثم يمر على وسط كابل، ثم على بلاد قندهار، ثم على بلاد مكران، ثم على جنوب بلاد سجستان، ثم يمر على وسط بلاد كرمان، ثم يمر على بلاد فارس مما يلي البحر، ثم يمر على بلاد العراق مما يلي الجنوب، ثم يمر على جنوب بلاد ديار بكر وشمال بلاد العرب، ثم يمر على وسط الشام، ثم يمر على بلاد مصر، ويمر على بلاد الإسكندرية، ثم يمر على وسط بلاد مرماريق، ثم يمر على وسط بلاد القادسية وعلى وسط بلاد القيروان، ثم يمر عن بلاد طنجة، وينتهي إلى بحر المغرب؛ وأكثر أهل هذه البلدان سمر.
«أسماء المدن التي في الإقليم الثالث» وهي كل مدينة عرضها من «كرك إلى الحرم» أولها مما يلي المشرق:
.
أراندا من الصين | مح | كج |
القندهار من الهند | فك | لب |
كابل من بلاد الهند | صديه | طل |
رويح من سجستان | صب | ل |
بر مكران | لح | لو |
السرحان من كرمان | عج | لا |
شيراز من فارس | عه | لا |
الأهواز من خوزستان | عد | لب |
البصرة من العراق | سط | لخ |
الكوفة من العراق | سه | |
دمشق من الشام | لو | لب |
بيت المقدس من فلسطين | لزم | كط |
الفسطاط من مصر | س | لا |
الإسكندرية بطليموس | لانه | لامه |
القيروان من المغرب | ك | له |
طنجة من المغرب | صه | لخ |
.
الإقليم الرابع للشمس، طوله من المشرق إلى المغرب ٧٨٥٥ ميلًا، وعرضه من الجنوب إلى الشمال ٣٥٥ ميلًا، وحَدُّهُ من ثلاث وثلاثين درجة وثلاثين دقيقة إلى تسع وثلاثين درجة، ووسطُهُ حيث يكون ارتفاعُ القطب عن الأفق ستًّا وثلاثين درجة وخمسين دقيقة، ونهارُهُ الأطولُ أربع عشرة ساعة ونصف، وفي هذا الإقليم من الجبال الطوال خمسةٌ وعشرون جبلًا، ومن الأنهار الطوال اثنان وعشرون نهرًا، ومن المدن المعروفة الكبار نحوٌ من مائتين واثنتي عشرة مدينة.
وابتداء هذا الإقليم من المشرق فيمر على شمال بلاد الصين وجنوب بلاد يأجوج ومأجوج، ثم يمر على الترك مما يلي الجنوب وشمال بلاد الهند وطخارستان ثم يمر على شمال بلاد بلخ باسيان، ثم يمر على شمال بلاد مكران، ثم يمر على وسط بلاد سجستان، ثم بلاد كرمان، ثم بلاد فارس، ثم بلاد خوزستان، ثم يمر على وسط بلاد العرق، ثم يمر على وسط ديار ربيعة وديار بكر، ثم يمر على جنوب بلاد الثغر وشمال بلاد الشام، ويمر على وسط بحر الروم وجزيرة قبرص، ويمر في البحر على شمال بلاد مصر والإسكندرية، ثم يمر على جزيرة صقلية وشمال بلاد مرماريقي وبلاد القادسية وبلاد القيروان وبلاد طنجة، وينتهي إلى بحر المغرب.
وأكثرُ أهل هذه البلدان ألوانُهُم ما بين السمرة والبياض، وهذا الإقليم هو إقليمُ الأنبياء والحكماء؛ لأنه وسط لأقاليم، ثلاثةٌ منها جنوبية وثلاثةٌ شمالية، وهو أيضًا قسمة الشمس النير الأعظم، وأهل هذا الإقليم أعدلُ الناس طباعًا وأخلاقًا، ثم بعده الإقليمان اللذان عن جنبيه؛ أعني: الثالث والخامس، فأما الأقاليم الباقية فأهلها ناقصون عن طبيعة الأفضل؛ لأن صورهم سمجة وأخلاقهم وحشية مثل الزنج والحبشة، وأكثر الأمم الذين هم في الإقليم الأول والثاني وكذلك الأمم الذين هم في الإقليم السادس والسابع مثل يأجوج ومأجوج والبلغار والصقالبة وأمثالهم، وهي كل مدينة عرضها من لح م إلى لط:
كاشغر من بلاد الصين | كط | قف |
نفت من بلاد الترك | لط | ص |
سمرقند من وراء النهر | لور | صدك |
بلخ من خراسان | نور | مه |
هراة من خراسان | لح | قد |
مرو من خراسان | لو | وح |
نيسابور من خراسان | لح ر | لو |
جرجان من الجبل | لزمه | عدك |
آمل من طبرستان | لي | عد |
الري من فارس | لدمه | عه |
الديلم وجيلان | ع لح | عدم |
أصفهان من فارس | لدك | عح لو |
همذان من بلاد ماهان | مرمي | سط |
بغداد من العراق | له ك | ماله |
الموصل من ديار ربيعة | لح | سو |
حلب من الشام | لدنب | لح |
.
الإقليم الخامس للزهرة وطوله من الشرق إلى الغرب ٧٤٥٥ ميلًا وعرضه من الجنوب إلى الشمال ٢٥٥ ميلًا، وحده من تسع وثلاثين درجة إلى ثلاث وأربعين درجة ونصف، ووسطه من حيث يكون ارتفاع القطب إحدى وأربعين درجة وثلثًا، ونهاره الأطول ١٥ ساعة سواء.
وفي هذا الإقليم من الجبال الطوال نحوٌ مِن ثلاثين جبلًا ومن الأنهار الطوال نحو من خمسة عشر نهرًا، ومن المدن المعروفة الكبار نحوٌ مِنْ مائتَي مدينة، وابتداؤُهُ من المشرق فيمر على وسط بلاد يأجوج ومأجوج، ويمر على وسط بلاد الترك وعلى بلاد فرغانة وبلاد أسبيجاب وعلى وسط بلاد ما وراء النهر ويقطع جيحون، وعلى وسط بلاد خراسان وعلى شمال سجستان وكرمان وعلى شمال بلاد فارس ووسط بلاد الري والمهان، وعلى شمال بلاد العراق وجنوب بلاد أذربيجان، وعلى وسط بلاد أرمينية وشمال بلاد الثغر، ويمر على وسط بلاد الروم ويقطع خليج قسطنطينية هناك، ويمر على شمال بحر الروم ووسط بلاد رومية ويمر على جنوب هيكل الزهرة، وعلى وسط بلاد الأندلس، وينتهي إلى بحر المغرب، وأكثر أهل هذه البلدان بيض، وهي كل مدينة عرضها من لط إلى مج ك:
بلاد يأجوج ومأجوج | معا | سح |
بلاد خاقان من الترك | فر | مت |
الطراز من بلاد الترك | يول | م كه |
أسبيجاب من السند | صح | م |
خوارزم من وراء النهر | فيه | مو |
أردبيل من أذربيجان | عح | م |
أخلاط من أرمينية | سر | لط له |
ملطية من أرمينية | سا | لط |
ماقارونية | له | كد طر |
رومية الكبرى من الروم | كح | مح |
.
الإقليم السادس لعطارد وطوله من المشرق إلى المغرب ٧٥٥٥ ميلًا وعرضه من الجنوب إلى الشمال ٢٥٥ ميلًا، وحده من ثلاث وأربعين درجة ونصف إلى سبع وأربعين درجة وربع، ووسطه حيث يكون ارتفاع القطب خمسًا وأربعين درجة وخمسين دقيقة، ونهاره الأطول خمس عشرة ساعة ونصف.
وفي هذا الإقليم من الجبال الطوال نحوٌ من اثنين وعشرين جبلًا، ومن الأنهار الطوال نحو اثنين وثلاثين نهرًا، ومن المدن المعروفة الكبار نحو تسعين مدينة، وابتداؤُهُ من المشرق فيمر على شمال بلاد يأجوج ومأجوج، ويمرُّ على جنوب بلاد سجستان، وعلى جنوب بلاد الثغر، وعلى وسط بلاد خاقان وجنوب بلاد كيماك، وعلى شمال بلاد أسبيجاب، وعلى شمال بلاد السند وما وراء النهر، وعلى وسط بلاد خوارزم، وعلى شمال بلاد جرجان وطبرستان والديلم وكيلان ويقطع بحر طبرستان، وعلى وسط بلاد أذربيجان، وعلى وسط بلاد أرمينية وملطية على شمال بحر سطس وعلى شمال قسطنطينية، وعلى وسط بلاد مقدونية، وعلى وسط أفريقية مما يلي الشمال، ويمر على جنوب بحر الصقالبة، وعلى شمال هيكل الزهرة، وينتهي إلى بحر المغرب، وأكثرُ أهل هذه البلدان ألوانُهُم ما بين الشقرة والبياض، وكُلُّ مدينةٍ عرضها من مح مد إلى مز به أولها مما يلي المشرق، والله أعلم.
الإقليمُ السابعُ للقمر، طولُهُ من المشرق إلى المغرب ٦٦٥٥ ميلًا، وعرضه من الجنوب إلى الشمال ١٨٥ ميلًا، وحَدُّهُ من سبع وأربعين درجة وربع إلى خمسين درجة ونصف، ووسطه حيث يكون ارتفاعُ القطب عن الأفق ثمانيًا وأربعين درجة وثلثين، وطولُ نهاره الأطول ست عشرة ساعة سواء.
وفي هذا الإقليم من الجبال الطوال نحو من عشرة جبال، ومن الأنهار الطوال نحو من أربعين نهرًا، ومن المدن المعروفة الكبار نحو من اثنتين وعشرين مدينة، وابتداؤه من المشرق فيمر على جنوب بلاد يأجوج ومأجوج وبلاد سجستان وبلاد غرغر، وعلى بلاد كيماك، وعلى جنوب اللان، وعلى شمال بحر جرجان وبلاد خنخ، وعلى جبل باب الأبواب، وعلى وسط بحر سطس، وعلى جنوب بلاد جرجان وشمال بلاد مقدونية، وعلى جنوب بحر الصقالبة، وجنوب جزيرة الري، وينتهي إلى بحر المغرب، وأكثرُ أهلِ هذه البلدان ألوانُهُم مائلةٌ إلى الشقرة، وهي كل مدينة عرضها من مزبه إلى مط، أولها مما يلي المشرق:
بلاد يأجوج | له ك | مع ب |
بلاد كيمان من الترك | ما كه | عالا |
بلاد الجزائر من الترك | لط م | عح |
جزيرة من بحر جرجان | مت | مب |
مراغة من أذربيجان | موله | كوكه |
جبل باب الأبواب | م لا | مط د |
بلاد بيحر | مب | كوكه |
بلاد هقطه من الروم | ما | س |
.
(٣) فصل في خواص الأقاليم
واعلم يا أخي بأن في كل إقليم من هذه الأقاليم السبعة ألوفًا من المدن تزيد وتنقص، وفي كل مدينة أمم من الناس مختلفة ألسنتهم وألوانهم وطباعهم وآدابهم ومذاهبهم وأعمالهم وصنائعهم وعاداتهم، لا يشبه بعضهم بعضًا، وهكذا حكم حيوانها ومعادنها مختلفة الشكل والطعم واللون والرائحة، وسبب ذلك اختلاف أهوية البلاد وتربة البقاع وعُذُوبة المياه وملوحتها، ولك هذا الاختلاف بحسب طوالع البروج ودرجاتها على آفاق تلك البلاد بحسب ممرات الكواكب على مسامتات تلك البقاع ومطارح شعاعاتها مِنَ الآفاق على تلك المواضع، وهذه جملةٌ يطولُ شرحُها، وذكر أن ملكًا من الأولين أمر وقتًا من الزمان بأن تعد المدن المسكونة من الربع المسكون من الأرض، فوجد سبعة عشر ألف مدينة سوى القرى.
واعلم بأنه ربما يَزيد عددُ مُدُن الأرض وينقص، وذلك بحسب موجبات أحكام القرانات وأدوار الأفلاك الألوف، وذلك أن بالقرانات الدالة على قوة السعود واعتدال الزمان واستواء طبيعة الأركان ومجيء الأنبياء وتواتر الوحي وكثرة العلماء وعدل الملوك، وصلاح أحوال الناس، ونزول بركات السماء بالغيث؛ تزكو الأرض والنبات، ويكثر توالُدُ الحيوان وتعمر البلاد ويكثرُ بنيان المدن، وبالقرانات الدالة على قوة النحوس وفساد الزمان وخُرُوج المزاج عن الاعتدال، وانقطاع الوحي وقلة العلماء، وموت الأخيار، وجَوْر الملوك، وفساد أخلاق الناس وسوء أعمالهم واختلاف آرائهم؛ يمنع نزول البركات من السماء بالغيث فلا تزكو الأرض، ويجف النبات ويهلك الحيوان وتخرب المدن في البلاد.
واعلم يا أخي بأن أُمُور هذه الدنيا دول ونوب، تدور بين أهلها قرنًا بعد قرن، ومِنْ أُمة إلى أُمة، ومن بلد إلى بلد.
فصل
واعلم بأن كل دولة لها وقتٌ منه تبتدئ، وغايةٌ إليها ترتقي، وحدٌّ إليه تنتهي، فإذا بلغت إلى أقصى غاياتها ومدى نهاياتها؛ تسارع إليها الانحطاط والنقصان، وبدا في أهلها الشؤم والخذلان، واستأنف في الآخرين من القوة والنشاط والظهور والانبساط، وجعل كل يوم يقوى هذا ويزيد، ويضعف ذاك وينقص إلى أن يضمحل الأول المقدم ويستمكن الآتي المتأخر.
والمثال في ذلك مجاري أحكام الزمان؛ وذلك أن الزمان كله نصفان؛ نصفه نهار مضيء، ونصفه ليلٌ مظلم، وأيضًا نصفه صيف حار ونصفه شتاء بارد، وهما يتداولان في مجيئهما وذهابهما، كلما ذهب هذا رجع هذا، وتارة يزيد هذا وينقص هذا، وكلما نقص من أحدهما زاد في الآخر بذلك المقدار حتى إذا تناهيا إلى غايتهما في الزيادة والنقصان، ابتدأ النقص في الذي تناهى في الزيادة، وابتدأت الزيادة في الذي تناهى في النقصان، فلا يزالان هكذا إلى أن يتساويا في مقداريهما، ثم يتجاوزان على حالتيهما إلى أن يتناهيا في غايتيهما من الزيادة والنقصان، وكلما تناهى أحدهما في الزيادة ظهرت قوته، وكثرت أفعاله في العالم، وخفيت قوة ضده، وقَلَّتْ أفعالُهُ.
فهكذا حكم الزمان في دولة أهل الخير ودولة أهل الشر؛ تارة تكون الدولةُ والقوةُ وظهورُ الأفعال في العالم لأهل الخير، وتارة الدولة والقوة وظهور الأفعال في العالم لأهل الشر، كما ذكر الله — عز وجل — وقال: وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ، وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ.
فصل
وقد نرى أيها الأخ البار الرحيم، أيدك الله وإيانا بروح منه، أنه قد تناهتْ دولة أهل الشر وظهرتْ قوتُهُم وكثرتْ أفعالهم في العالم في هذا الزمان وليس بعد التناهي في الزيادة إلا الانحطاط والنقصان، واعلمْ بأن الدولة والملك ينتقلان في كل دهر وزمان ودور وقران من أمة إلى أمة ومن أهل بيت إلى أهل بيت ومن بلد إلى بلد.
واعلمْ يا أخي أن دولة أهل الخير يبدأ أولها من قوم علماء حكماء وخيار فضلاء، يجتمعون على رأي واحد، ويتفقون على مذهب واحد ودين واحد، ويعقدون بينهم عهدًا وميثاقًا أن لا يتجادلوا ولا يتقاعدوا عن نصرة بعضهم بعضًا، ويكونون كرجل واحد في جميع أمورهم وكنفس واحدة في جميع تدبيرهم فيما يقصدون من نصرة الدين وطلب الآخرة لا يبتغون سوى وجه الله ورضوانه جزاءً ولا شكورًا، فهل لك أيها الأخ البار الحكيم، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن ترغب في صحبة إخوان لك نصحاء، وأصدقاء لك أخيار فضلاء، هذه صفتُهُم، بأن تقصد مقصدهم، وتتخلق بأخلاقهم، وتنظر في علومهم لتعرف مناهجهم، وتكون معهم وتنجو بمفازاتهم، لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون، وفقك الله أيها الأخ وجميع إخواننا للصواب بفضله ومَنِّهِ، حسبنا الله ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه محمد وآله.